باتت الحكومات والشركات تعتمد بشكل متزايد على التقنيات الرقمية لدعم المجتمعات والمواطنين فيما يسعى العالم لإيجاد حلول فعالة لوباء كوفيد-١٩، وأصبحت النظم الرقمية شريان حياة جميع الشركات إلى جانب الخدمات الصحية حيث أنها تشكّل ركيزة أساسية للتدابير الهادفة لاحتواء انتشار الفيروس.
نرّحّب في مجموعة الأعمال السعودية B20 ومجموعة العلوم S20 بالتزام قادة مجموعة العشرين في مؤتمر القمة الاستثنائي في ٢٦ مارس “بالقيام بكل ما يلزم واستخدام جميع أدوات السياسة المتاحة للحد من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الوباء، واستعادة النمو العالمي والحفاظ على استقرار السوق وتعزيز المرونة” وكذلك “بالعمل معاً لزيادة تمويل جهود أبحاث وتطوير اللقاحات والأدوية ،والاستفادة من التقنيات الرقمية، وتعزيز التعاون الدولي العلمي.”
وفي حين أن التقنيات الرقمية تساعد بشكل كبير على احتواء الوباء وتقليل الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عنه، مع الإشارة بشكل خاص إلى النساء والرجال العاملين في القطاع الصحي على خطوط المواجهة الأمامية والعاملين لحسابهم الخاص ومقدمي الرعاية، سيكون للأزمة تأثير على الاقتصاد العالمي وستشدد على أهمية الاقتصاد الرقمي.
ويتطلب هذا الواقع استجابة سريعة ومنسقة في عدد من القضايا السياسية المهمة وتشمل كامل المجال الرقمي. في هذا السياق، ندعو قادة مجموعة العشرين للعمل على اتخاذ الإجراءات التالية:
1.الأولويات العاجلة قصيرة المدى:
تعزيز البنية التحتية الرقمية: نظراً لاضطرار الناس إلى عزل أنفسهم أو الالتزام بالحجر الصحي ،وانتقال الحكومات والشركات إلى العمل عن ُبُعد للحد من انتشار الفيروس، يبرز ضغط متزايد على البنية التحتية الرقمية. في هذا الإطار، يجب أن تبذل الدول الأعضاء في مجموعة العشرين جهوداً لتمتين البنية التحتية الرقمية الشاملة، المرونة في اقتصاد كل واحدة منها من أجل تقليل التأثير الاقتصادي والاجتماعي للوباء وكذلك التكيف مع حياة المواطنين بعد الوباء، مع مراعاة احتياجات المجتمعات المحرومة رقمياً والهشة على الصعيد المالي. يجب أن تتضمن الإجراءات الفورية توفير خدمات الترفيه الرقمية وتخفيض استخدام النطاق الترددي وتذليل العقبات داخل الدولة الواحدة وبين الدول مثل المخاوف الأمنية المتعلقة بالتطبيقات (كخدمات التداول عن بعد عبر الفيديو) بالإضافة إلى عناصر البنية التحتية (مثل 5G). كما يجب أن تضمن دول مجموعة العشرين امتلاك الناس الأدوات اللازمة (أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية و/ أو الأجهزة اللوحية وما إلى ذلك) للوصول إلى هذه البنية التحتية. ويمكن للبنية التحتية الرقمية وبالتحديد تكنولوجيا 5Gأن تؤدي دوراً أساسياً في التعافي الاقتصادي مستقبلًا وتغيير طرق عملنا وعيشنا. نحتاج الى بنية تحتية عالية الجودة تستطيع دعم تطبيقات مبتكرة تسهّل العمل والتحكم بالعمليات عن بعد وكذلك ضبط المشاكل الصحية بشكل موثوق .
النهوض بتكنولوجيا المعلومات الرقمية وخاصة في مجال البنية التحتية الصحية الرقمية: مع انتشار وباء كوفيد-١٩، يمكن أن تشكل التقنيات الرقمية مثل تحديد مخاطر العدوى بمساعدة الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء وآلية سلسلة الإمداد العالمية المعتمدة على اللوجستيات التجارية والذكية أداة أساسية في دعم مواجهة المرض ومساعدة المرضى والعاملين في مجال الرعاية الصحية. يجب أن تتعاون مجموعة العشرين مع القطاع الخاص والمؤسسات البحثية في تطوير تقنيات المعلومات الرقمية التي ستساعد في تدابير الوقاية، مع الالتزام بمعايير الإشراف الجيد على البيانات. ويتعين على مجموعة العشرين أيضاً التأكد من أن التدابير الاستثنائية التي تم اعتمادها لتسخير البيانات الرقمية مؤقتاً، مثل مراقبة المصابين أو المشتبه بإصابتهم بكوفيد-١٩، تخضع للمراجعة حتى نهاية عام ٢٠٢٠ ويتم إلغاؤها بعد انحسار الأزمة. فالخصوصية وحقوق المواطن المتعلقة بالبيانات الرقمية ضرورية ويجب ضمانها.
إنشاء آلية موثوقة لمعالجة البيانات الآمنة: يعتبر تحليل البيانات الضخمة المتعلقة بحركة المواطنين وأنماط انتقال المرض والمراقبة الصحية أمراً بالغ الأهمية، خاصة في سياق توقّع الأوبئة واتخاذ القرارات المرتبطة بها، وبالتالي الحرص على عدم انتشار المرض على نطاق واسع .يتعين على مجموعة العشرين إنشاء آلية موثوقة تتيح للدول مشاركة البيانات لغرض مكافحة فيروس كوفيد-١٩، مع حماية خصوصية مالكي البيانات سواء أكانوا من الأفراد أو الشركات أو الحكومات. ويجب أن تستكشف مجموعة العشرين أيضاً كيف يمكن استخدام هذا التنظيم الموجه للبيانات في المستقبل لتسخير إمكانيات التقنيات الرقمية في معالجة أو منع الأزمات المستقبلية المحتملة بالإضافة إلى إزالة التحيزات القائمة بين الجنسين في مجموعات البيانات والخوارزميات للتخفيف من مخاطر تفاقم عدم المساواة. يجب أن تكون هذه البيانات المحمية بالخصوصية متاحة لجميع الشركاء ليستخدموها بالصورة المناسبة بما في ذلك البحث على المدى الطويل.
تعزيز الأمن الغذائي: مع اضطرار المواطنين إلى عزل أنفسهم أو التزام الحجر الصحي، يواجه عدد من المجتمعات الضعيفة الجوع وانعدام الأمن الغذائي. يؤثر انعدام الأمن الغذائي سلباً على المجتمعات المعرضة للخطر في الأوقات العادية، وتزداد آثاره سوءاً خلال فترات الوباء. يجب أن تبذل مجموعة العشرين جهوداً لعقد لشراكات مع مختلف الجهات بما في ذلك القطاع الخاص والمنظمات البحثية من أجل الحد من انعدام الأمن الغذائي. ويتحقق هذا من خلال تعزيز كفاءةالذكاء الاصطناعي وتحسين تشارك المعلومات والبيانات وتسهيل الوصول إلى البنية التحتية الرقمية.
2.الأولويات المهمة متوسطة المدى:
تعزيز الأمن السيبراني لتسهيل العمل عن بعد: شهد العالم مع الانتقال للعمل عن بعد والاستخدام الأوسع للتقنيات الرقمية ارتفاعاً في وتيرة الهجمات السيبرانية حيث يسعى الفاعلون الخبثاء إلى الاستفادة من المخاوف المحيطة بالوباء. وبالتالي، يجب أن تعمل مجموعة العشرين بالتعاون مع الشركاء في القطاع والمجتمع المدني والتقني والمهتمين الآخرين على تطوير دليل إرشادي والترويج له. يحتوي هذا الدليل على الحد الأدنى من معايير الأمن السيبراني الموصى بها بالإضافة إلى إرشادات حول أفضل الممارسات المتعلقة بالعمل عن ُبُعد في بيئة آمنة سيبرانياً، شرط أن تراعي الفئات الضعيفة ويمكن للشركات بجميع أحجامها تنفيذها.
مراقبة السلامة السيبرانية للأطفال والنساء والقاصرين، وتعزيز المواطنة الرقمية ومحو الأمية: تعرضت نسبة كبيرة من الأطفال لمخاطر الإنترنت مثل التنمّر والاضطرابات الناتجة عن الألعاب والتواصل بين الجنسين غير المرغوب فيه والأخبار المزيفة. ويقضي الأطفال بسبب إغلاق المدارس وقتاً أطول على الإنترنت، مما يزيد تعرضهم للمخاطر السيبرانية بغياب الدعم المقّدّم لهم. ونظراً للطبيعة العالمية للسلامة السيبرانية والمواطنة الرقمية، يتعين على مجموعة العشرين تعزيز وتنسيق الجهود العالمية لمراقبة وضمان سلامة الأطفال والنساء على الإنترنت من خلال تطبيق المعايير العالمية الموصى بها لمحو الأمية الرقمية وتعزيز المهارات والجهوزية.
تعزيز وتنسيق تنمية المهارات الرقمية الشاملة: على الرغم من الاستثمارات الضخمة في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية ضمن إطار التحول الرقمي المستمر، برز نقص في الجهود والاستثمارات على مستوى العالم التي تهدف إلى تنمية مهارات الطلاب والمواطنين والقوى العاملة من أجل تحقيق الازدهار في الاقتصاد الرقمي. وستؤدي هذه الفجوة إلى زيادة عدم المساواة وإبطاء الإنتاجية ورفع وتيرة مشاكل الأمن السيبراني والسلامة التي يتسبب بها الإنسان. لذلك، من المهم أن تنسق مجموعة العشرين بشكل عاجل الجهود العالمية لتحسين مستوى التدريب على المهارات الرقمية من خلال اعتماد المعايير العالمية الموصى بها لمحو الأمية الرقمية وتعزيز المهارات والجهوزية للتدريب والمراقبة والتصديق.
إتاحة وصول الجميع إلى التقنيات الرقمية عالية الجودة: تعتمد معظم الدول على ترتيبات العمل والتعلم المعتمدة على التكنولوجيا لمواجهة الآثار الصحية على الناس والمساعدة في احتواء الوباء .ويجب أن تبذل الدول الأعضاء في مجموعة العشرين جهوداً لتسهيل وصول الجميع إلى التقنيات الرقمية استعداداً للتحول الحتمي في العمليات التجارية المتكاملة تكنولوجياً وأنظمة توفير التعليم المتقدمة تقنياً، إضافة إلى توفيرها مجاناً للمستبعدين رقمياً. وتؤكد الأزمة الحالية ضرورة حيازةالجميع الحقّ بالوصول إلى الإنترنت.
تسريع تبنّي الخدمات المالية الرقمية: فيما تفكر الحكومات في جميع أنحاء العالم في توسيع نطاق آليات الحماية الاجتماعية والتحويلات المالية المباشرة للأسر والشركات الصغيرة، ستجد الدول التي تعتمد بشكل أكبر على الخدمات المالية الرقمية أنه من الأسهل نسبياً ضمان استمرار الوصول إلى هذه الخدمات. يمكن للدول التي تتوفر فيها أنظمة متقدمة للدفع الرقمي أيضاً الاستفادة من تطورات الاقتصاد الرقمي وتعزيزها عن بعد كالتجارة الإلكترونية وأنظمة توفير التعليم المتقدمة تكنولوجياً. ورغم أنه قد لا يكون من الممكن إنشاء أنظمة جديدة كلياً للدفع، إلا أنه يتعين على مجموعة العشرين تسريع التغييرات التنظيمية التي يجري تطبيقها في مجالات مثل التشغيل البيني واعتماد الخدمات النقدية المتنقلة واستخدام الهويات الرقمية والخدمات المالية الرقمية بشكل عام. كما يتعين على المجموعة أن تضمن بموازاة رقمنة المدفوعات تفادي الاحتيال الأمني وإساءة الاستخدام وكذلك انتهاكات الخصوصية وعدم استبعادها الفئات الضعيفة، بما في ذلك النساء.
تسريع الانتقال نحو الوعي الرقمي: تعتبر التقنيات الرقمية مهمة في تعزيز كفاءة الاقتصادات من حيث الموارد ويؤدي الاستخدام المتنامي لهذه التقنيات إلى زيادة كبيرة في الطلب على الطاقة وتنتج عنه تأثيرات بيئية (غالباً ما تكون أسوأ من المتوقع بسبب انعكاساتها الارتدادية). ويدعو هذا إلى الوعي الرقمي الذي يمكن تحقيقه من خلال: أ) تعزيز الوعي لدى عامة الناس والمجتمع البحثيّ بالآثار البيئية الرقمية في الشركات والمنظمات العامة، ب) تضمين التأثيرات البيئية كمعايير لاتخاذ القرارات عند وضع سياسات شراء واستخدام المعدات الرقمية، ج) تمكين المنظمات من إدارة تحولها الرقمي بطريقة مسؤولة بيئياً.
لقد حان الوقت لتعّجّل الدول بالتحول الرقمي بطريقة مسؤولة بيئياً. ومن شأن جهود التعاون المنسقة والعاجلة وحدها أن تحّدّ من التأثير الاجتماعي والاقتصادي لكوفيد-١٩ وتقصير المدة اللازمة لإنعاش الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الوباء.