خلك في بيتك
فيروس كورونا لا تراه بعينك، لم يحتج إلى تأشيرات ولا جوازات ليرتحل بين العالم.. يُخيل لك أنه موجود في كل مكان ومحمول في كل شخص ومنقول بكل وسيلة.. يربك إيمان البعض قبل أن يعطّل ما حوله.. كأن الأرض تسعل كلها.. وكأن التضاريس تُعدي.. والبحار مصابة.. فيتجلى قول العزيز الحكيم «هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ».
برزت شجاعة وحكمة المملكة في المبادرة بالتعاطي مع تلك الأزمة الصحية الخطيرة وعدم تجاهلها.. وتعاملت كدولة مسؤولة ورصينة وقوية.. شفافية في الإعلان، وضوح في الأخبار، تدبير عالٍ في الإجراءات؛ لأن حكومتنا تدير تلك الأزمة، ولا تجعل الأزمة تديرها بعد فوات الأوان كدول تأخرت وكابرت، وهذه أولى الخطوات المفترضة في إدارة أي أزمة سواء إعلاميًا أو غيره.
تلك الأزمة الصحية العالمية كانت حكومتنا لها بالمرصاد من خلال غرف إدارة للمخاطر والطوارئ في كل جهة معنية مرتبطة بغرفة مركزية تشرف وتراقب كل العمليات الجارية؛ لذا كانت الاحترازات الوقائية عظيمة، وجهود الوقاية واضحة في كل تفاصيل الإجراءات والقرارات المختلفة، التي تفاعلت معها كل الوزارات والمؤسسات الوطنية في تطبيقها أو التعامل مع متطلبات تعليقها أو تأجيلها.. ولعل منح 50 مليارًا دعمًا للقطاع الخاص دليل ملموس على حرص حكومتنا على أمن الوطن والمواطن صحيًا بعيدًا عن حسابات الخسائر الاقتصادية أو المالية؛ لأن الأهم هو سلامة الجميع.
في هذا الواقع ندرك حجم التعبئة العامة للجهات المعنية بمكافحة كورونا، التي تمثلت في نشاط هائل وكبير في جذب وعي المواطن والمقيم نحو خطورة ما يمكن أن يحصل، وإقناعه بالتفاعل الإيجابي مع تلك القرارات المهمة لمصلحته ومصلحة المجتمع والوطن. وفهم الجميع أن الوعي الحقيقي ليس معرفة معلومة صحيحة، وليست الثقافة نقلها بل إدراك السلوك اللازم والواجب تجاه ما نعرفه ونوجه إليه بحكمة.
مؤسف أن يجعل البعض من نفسه آلة نقل أخبار أولًا بأول.. كاذب صادق.. سيئ حسن.. مكرر.. وكأنه المصدر المسؤول عن إعلام الناس بما يجري من لديه شهية لتناقل الأخبار خصوصًا السيئة فليراجع عقله وقلبه ويترك المستهلكات ولا يسمح للمتربصين بالاختراق.
نعم إن تمَّ تعليق أمور كثير توجب معها تعليق السلوك الشخصي غير المسؤول، والنشاطات العبثية، ومغامرات العناد.. فالأمر جلل، فيجب ألا نستصغره.. فنكون نحن في حالة وقاية.. خير من أن نكون في حالة علاج.
أجزم بأن إقفال ما نراه مرحًا هو لمصلحتنا فلا قيمة لأي متعة بلا عافية وصحة، ولا ينزعج البعض من التقييد المنزلي، وكأن الدنيا توقفت على ما تم تعليقه، وأن منزله حبس انفرادي، ومكوثه مع أهله خسارة، أو يسمح للملل والضجر باعتقال قلبه وهواه.. ولا نحمل في ذاتنا شيئًا من التوجس والفزع، فنحن في حالات احتراز وليست خطرًا ولله الفضل والمنة..
ويبقى القول: لنحمل شعار «خلك بالبيت» بجدية.. وفرصة لنا أن نستثمر فراغنا وعافيتنا في الطاعة والخير أولاً ودائمًا ثم إنجاز الأمور المفيدة ونتفرغ لكثير من الأمور التي كنا نلوم قلة الوقت عليها، وممارسة الهوايات المنزلية الغائبة، نقرأ ونشاهد، ونعيش تفاصيل أُسرنا التي غفلنا عنها، فكونوا للوطن والجميع.