عام

وزارة التعليم في خدمة المكفوفين: تاريخ طويل وعمل جليل

إن الهدف من كتابة هذه السطور هو توثيق بعض المعلومات عن الخدمات الجليلة التي قدمتها وزارة المعارف في فترة ماضية للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية من الجنسين، أو ما زالت تقدمها وزارة التعليم حالياً، ولن يتطرق الحديث هنا إلى الخدمات التعليمية والتربوية التي تدخل في نطاق عمل الوزارة بشكل مباشر، وإنما سيتركز على تلك التي قدمتها أو ما زالت تقدمها رغم أنها ليست من مهامها الأساسية.
 وقد تم تقديم هذه الخدمات من خلال منجزات حضارية تعد من أهم المكتسبات التي حققتها المملكة في مجال الإعاقة البصرية، ومن أبرزها – مرتبة حسب تسلسلها التاريخي – ما يلي:
 أولاً: الأقسام المهنية بمعاهد النور للمكفوفين:
 عندما فتحت هذه المعاهد أبوابها للمكفوفين مع بداية الثمانينات الهجرية من القرن الماضي، كانت تضم قسمين؛ الأول قسم دراسي حسب السلم التعليمي في المملكة، أي أنه يتكون من ثلاث مراحل (ابتدائي ومتوسط وثانوي)، ويدرس به الطلاب والطالبات الذين ما زالوا في سن الدراسة، وقسم مهني يلتحق به أولئك الذين تجاوزا هذه السن، وكانوا يتلقون بعض المواد الدراسية البسيطة، إلا أن التركيز في هذا القسم كان يتم على التدريب على بعض الحرف اليدوية كالخيزران والنسيج وأدوات النظافة والحياكة، وغير ذلك من الحرف التي تتناسب مع خصائصهم البصرية.
 وفي 10/3/1400 هـ صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (34)، والقاضي بنقل اختصاصات التأهيل المهني للمكفوفين وضعاف البصر من الذكور والإناث من وزارة المعارف إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية – كما كانت تسمى آنذاك – بحكم الاختصاص، كما نص هذا القرار على إنشاء قسم خاص بالمكفوفين للإشراف على تنفيذ ومتابعة برامج تأهيلهم، وذلك  في الإدارة العامة للتأهيل، غير أن هذه الوزارة – مع الأسف الشديد – لم تتخذ أي إجراء حيال تنفيذ هذا القرار، مما أدى إلى حرمان الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية من التعليم والتدريب المهني حتى يومنا هذا.
 ثانياً: المكتب الإقليمي للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين سابقاً:
 في 22/6/1392 هـ صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (544) بشأن الترخيص بإنشاء مكتب إقليمي دائم للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين بالرياض، ورغم أن هذا المكتب كان يتمتع بالاستقلال الإداري والمالي إلا أن مرجعيته ظلت لوزارة المعارف.
 ومن الخدمات التي كان يقدمها طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل منذ عام 1407 هـ، وإصدار مجلة الفجر بطريقة برايل، وهي مجلة شهرية اجتماعية ثقافية، وتأسيس مكتبة ناطقة تعنى بتسجيل الكتب الدينية والعلمية والثقافية والاجتماعية، ومجلة الفجر الناطقة على أشرطة خاصة بالمكفوفين، بالإضافة إلى افتتاح بعض المعاهد والمراكز مثل معهد المكفوفين في البحرين، والمركز السعودي لتدريب الكفيفات في الأردن.
 وقد تحقق أكبر إنجاز عالمي في هذا المكتب عندما احتضنت المملكة – يحفظها الله ويرعاها – في مدينة الرياض عام 1404هـ مؤتمراً دولياً كبيراً للمكفوفين، وكان من بين المشاركين فيه أكبر منظمتين عالميتين في مجال الإعاقة البصرية، وقد نجم عن ذلك دمجهما في منظمة واحدة حملت اسم الاتحاد العالمي للمكفوفين، وتم في هذا المؤتمر انتخاب رئيس هذا المكتب الأستاذ عبد الله بن محمد الغانم من المملكة العربية السعودية كأول رئيس لهذا الاتحاد.
 واستمر المكتب الإقليمي للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين سابقاً في تقديم خدماته للمكفوفين والمكفوفات في منطقة الشرق الأوسط، حتى بدأ يعاني من بعض المشكلات الإدارية والمالية، الأمر الذي أدى إلى أن يتخذ مجلس الوزراء الموقر قراراً برقم (177) وتاريخ 20/11/1416 هـ يقضي بأن يصبح هذا المكتب سعودياً، وتضم نشاطاته إلى أوجه النشاط التي تقدمها الأمانة العامة للتربية الخاصة بوزارة المعارف، وبموجب هذا القرار باشرت الوزارة – ممثلة في الأمانة العامة للتربية الخاصة – القيام بتقديم هذه الخدمات، بل عملت على تطويرها بما زاد من فاعليتها.
 ثالثاً: المكتبة المركزية الناطقة للمكفوفين وضعاف البصر:
 قامت وزارة المعارف بإعداد دراسة شارك فيها فريق علمي من منظمة اليونسكو استقدمته الوزارة لهذا الغرض، وعلى هذا الأساس تم توقيع عقد مشروع تأسيس هذه المكتبة عام 1399 هـ، بيد أنها لم تبدأ في تقديم خدماتها للفئات المستهدفة إلا عام 1410هـ، وكانت هذه المكتبة معنية بالكتاب الناطق، أي تحويل الكتب المطبوعة إلى كتب منطوقة، وهي نفس المهمة التي كانت تقوم بها المكتبة الناطقة بالمكتب الإقليمي سالف الذكر، إلا أنها تميزت بتسجيل الكتب الدراسية للطلاب والطالبات المكفوفين، وفتح فروع لها في بعض معاهد النور في مختلف مناطق المملكة، وكذلك تنظيم المحاضرات والندوات العلمية.
 وبعد صدور قرار مجلس الوزراء الموقر الذي تمت الإشارة إليه آنفاً بشأن المكتب الإقليمي، تولت الأمانة العامة للتربية الخاصة بوزارة المعارف التي تشرف على هذه المكتبة توحيد الجهود وتلافي الازدواجية بين هاتين المنشأتين في تقديم الخدمات، ثم توقفت هذه الخدمات عام 1435 هـ لانتفاء الحاجة إليها، حيث تم نقل مهام طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل إلى المكان الطبيعي، وهو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، وأصبحت جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية قادرة على تقديم بقية الخدمات التي كانت تقدمها الوزارة، يضاف إلى ذلك تقدم التقنية الحديثة، وفي مقدمتها الشبكة العالمية (الإنترنت) التي أسهمت – بشكل كبير – في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية من الاعتماد على أنفسهم في الحصول على المعلومات والخدمات.
 رابعاً: جمعيات ذوي الإعاقة البصرية:
 في العقدين الأخيرين من هذا القرن بدأت هذه الجمعيات في الظهور والانتشار في بعض مناطق المملكة، وكانت تسمى في البدايات جمعيات خيرية، ثم تم تعديل صفاتها لتصبح جمعيات أهلية بعد صدور نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية عام 1437هـ.
 وهذه الجمعيات تقدم بعض الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية من الجنسين كي تكمل وتتمم الخدمات الحكومية المقدمة لهذه الفئة.
 وقد استفاد بعض هذه الجمعيات من وزارة التعليم، فمثلاً جمعية المكفوفين الأهلية بمنطقة الرياض (كفيف) التي تأسست عام 1428هـ، خرجت من رحم التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم، إذ إن مؤسسيها كانوا من المكفوفين والمبصرين المنتسبين إلى هذه الوزارة، وظلوا يشكلون الغالبية في مجالس إداراتها خلال الدورات الثلاث الماضية، حتى تم تشكيل مجلس الإدارة الجديد للدورة الرابعة في 7/4/1441هـ، والذي هيمن عليه المبصرون، وغالبيتهم العظمى يعملون في القطاع الخاص.
 وجدير بالذكر أن هذه الجمعية قد استفادت مرة أخرى من الوزارة عندما اتخذت في بداياتها الأولى من المكتبة المركزية الناطقة التابعة للوزارة مقراً مؤقتاً لها، وبعد عدة أشهر انتقلت إلى مبنى بحي المروج في مدينة الرياض استأجرته الجمعية ليكون مقراً لها، وظلت تزاول نشاطها في هذا المبنى المستأجر أكثر من عشر سنوات حتى تفضلت وزارة التعليم مشكورة بالموافقة على إعارتها أحد مبانيها المدرسية، وهو يقع في حي السليمانية في مدينة الرياض، وتتوفر به الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء على حساب الوزارة.
 وكذلك جمعية العوق البصري ببريدة في منطقة القصيم التي تأسست عام 1427هـ قد اتخذت من معهد النور للمكفوفين التابع لوزارة التعليم مقراً منذ تأسيسها حتى الآن، وشارك عدد كبير من منسوبي التعليم في تأسيسها، واستمر بعضهم في عضوية مجالس إداراتها حتى وقتنا الحاضر، كما ساهم كثير من منسوبي التعليم في تأسيس بقية الجمعيات الأخرى الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وشارك عدد منهم في عضوية جمعياتها العمومية، ومجالس إداراتها.
 والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تحملت وزارة التعليم – بمسمياتها المختلفة – مسؤولية تقديم هذه الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، مع إنها ليست من اختصاصاتها الأصيلة؟
 والجواب يكمن في نقطتين رئيستين؛ الأولى هي أن قيادتنا الرشيدة كانت وما زالت تشجع وتدعم المبادرات والمشروعات والمنجزات الحضارية التي تخدم كافة شرائح المجتمع في هذا الوطن الغالي بغض النظر عن الجهات التي تتبناها، أما النقطة الثانية، فهي – بكل صراحة ووضوح – أن وزارة المعارف قد هيأت الأسباب التي مكنت بعض المكفوفين البارزين المجتهدين الذين تشرفوا بالعمل بها من استثمار إمكاناتها لصالح الفئة التي ينتمون إليها؛ فالأستاذ / عبد الله بن محمد الغانم – يرحمه الله – هو الذي أسـس التعليـم الخاص – كما كان يعرف آنذاك -، ثم عمل مديراً لبرامج هذا القطاع بالوزارة إلى أن تم تعيينه رئيساً للمكتب الإقليمي للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين، وظل يعمل به حتى تمت سعودة هذا المكتب وتوحيد نشاطاته مع نشاطات الأمانة العامة للتعليم الخاص في عام 1416هـ.
 والأستاذ / عبد الرحمن بن سالم الخلف العتيبي – يرحمه الله – كان يعمل مديراً لإدارة تعليم المكفوفين عندما كانت الأمانة العامة للتعليم الخاص تضم ثلاث إدارات فقط هي: إدارة المكفوفين، وإدارة الصم، وإدارة التربية الفكرية، وبعد ذلك أصبح مديراً للمكتبة المركزية الناطقة للمكفوفين وضعاف البصر إلى أن أحيل على التقاعد.
 وفي الختام أدعو الله – سبحانه وتعالى – أن يحفظ بلادنا الحبيبة، وأن يحفظ عليها أمنها واستقرارها، وأن يحفظ لها قيادتها الحكيمة الواعية الرشيدة كي تواصل مسيرة الخير والعطاء والنماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى