عام

البقرة البنفسجية

تخيل تمر يومياً على مزرعة أو حقل ينتشر فيه قطيعٌ من الأبقار المتشابهة في اللون، والمألوفة لناظريك، ومعروفة لديك.. تمر أنت أمامه دون أن يجذبك جاذب، ومن غير أن يلفت انتباهك شيء غريب.. منظر معتاد وطبيعي لأبقار فلا شيء جديد، وبعد حين يظهر أمر لافت.. فيشد انتباهك وقلبك وعقلك وجود بقرة بنفسجية مميزة لم يسبق لك رؤية مثلها.. وهنا ترغب بالوقوف لتراها وتقترب منها فلا تهتم بكمية إنتاجها أو جودة حليبها أو قوتها؛ لأن كل ما يشدك فقط تميز لونها.

هنا ننطلق من تلك الفلسفة التسويقية إلى أن عناوين الكتب غير المألوفة تمثل فكرة البقرة البنفسجية التي تحاول من خلالها دور النشر لفت انتباه الساهي، وسحر القارئ، وجذب مشتري الكتب، وتصريف المطبوعات والطبعات المختلفة.. لذلك فلعبة العناوين هي اللعبة التي يتكسبون بها، ويثيرون رغبات الناس.

ثلاثون سنة هي علاقتي مع الكتب ما بين دراسة وهواية قراءة، وخوض في غمار المكتبات، وغياهب الكتابات.. مررت بعديد من المكتبات وتفحصت آلاف الكتب وتمعنت في كثير من العناوين.. وحين تمر بك رحلة كهذه ستدرك تماماً الفروقات، والأعاجيب في الكتب وتأليفها، وهواية جمعها وقراءتها.. لذا يصل المرء إلى وعي كامل بما قد تتضمنه الكتب من خلال عناوينها البنفسجية الجاذبة.

قد يقولون الكتاب يبين من عنوانه، ولكن هذه المقولة في رأيي ليست حقيقة، فحالة الخداع قد تحدث من العنوان، ويختلف ويختل المضمون عن عنوان الكتاب، وقد يخدع العنوان المتصفح ليشتري الكتاب دونما انتباه إلى المحتوى ومضامينه.. الكتاب اليوم لا يبين من عنوانه، فالعناوين لصوص الفكر.

حين يأخذك سحر العنوان، وتسحبك خدعة عبارات الترويج عليك أن تحذر من الكتب التي تحمل العناوين التالية.. أخطر، أعظم، أهم كذا شخصيات، سر وأسرار كذا، أسطورة، لكي تصبح، لكي تكون، خرافة، الكتاب الأكثر مبيعاً، الأوسع انتشاراً، الأكثر توزيعاً، كتاب العام في كذا، نظرية الباذنجان والخضراوات، كيف تربح أو تكسب، تجذب، ترد.. كتب الصحة، والتغذية والحمل والريجيم، كتب الخلطات، كتب الأحاجي، كتب رحلة إلى كذا، حول العالم في كذا، روايات الجيب.. كتب المواجيز وملخصات الكتب الثقيلة والرصينة والعلمية حيث يتم اجتزاء الكثير من الأفكار والمعلومات والارتباطات النصية فيؤثر على جودة المحتوى، وصحة المضمون وغير ذلك كثير. كما أن الكتب المرصوصة والمغتصة بالاستهلاك الفكري وتكرار الموضوعات بعناوين مختلفة يجب تجنبها.

يبقى القول: غالباً معارض الكتاب تبرز هوس الشراء وجمع الكتب، وليست شهوة القراءة عند الناس.. وكثير منهم لا يجيد انتقاء الكتب بشكل منضبط وواعٍ، لذا يجب ألا تكون انتقاءاتنا عبر عنوان بنفسجي لا يبالي بالمحتوى.. ويكون ضمن إطار منضبط يقوم على الحاجة ثم فحص الكتاب مقدمة، وقائمة محتويات، وعناوين رئيسة، ثم يتم قرار الشراء، ولنراجع احتياجاتنا الثقافية، ومتطلباتنا القرائية، فلا نشتري البقرة البنفسجية بأعلى قيمة وهي أقل جودة لأجل فقط لونها الساحر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى