خبراء دوليون : الزيارة الملكية لروسيا أسست لمرحلة جديدة في سوق الطاقة
على الرغم من القضايا العديدة التي تهيمن على الساحة السياسية البريطانية في الوقت الراهن، ومن بينها المؤتمر السنوي لحزب المحافظين، الذي يأتي في وقت حرج للغاية، حيث يشهد الحزب نزاعات داخلية حادة قد تقلص حظوظه في البقاء في سدة الحكم مستقبلا، إلا أن هذا لم يمنع وسائل الإعلام البريطانية من تركيز الأضواء على زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا.
وكانت الزيارة هي الأولى التي يقوم بها ملك سعودي لروسيا، تحمل من وجهة نظر الكثير من الخبراء الاقتصاديين في المملكة المتحدة أهمية استراتيجية تمتد لتطول عددا كبيرا من الأصعدة.
وعلى الرغم من أن الزيارة لا تمس المصالح البريطانية بشكل مباشر، إلا أن نتائجها وتداعياتها ستؤثر في أسواق الطاقة العالمية، حيث سيتجاوز تأثيرها من وجهة الخبراء البريطانيين الحدود التقليدية للعلاقات الثنائية بين موسكو والرياض.
يشير الدكتور هنري فوكس أستاذ الاقتصاد الدولي إلى أن الشركات السعودية والروسية وقعت اتفاقات استثمارية بمليارات الدولارات من بينها صندوق مشترك برأسمال تبلغ قيمته مليار دولار للاستثمار في مشاريع الطاقة، إضافة إلى اتفاقيات لمشاريع النقل والبتروكيماويات.
ويقول لـ”الاقتصادية”، إن الزيارة وطبيعة الاتفاقات التي تم توقيعها خلالها تعكس بشكل واضح طبيعة المفاهيم الاستراتيجية السعودية في المرحلة الجديدة، المبينة في الأساس على التحول من لاعب إقليمي إلى لاعب مؤثر في الاقتصاد العالمي.
ويضيف “تلك الاستراتيجية تتضمن عددا من الأبعاد الاقتصادية، سواء عبر تنويع شبكة العلاقات الاقتصادية الدولية التي تتمتع بها السعودية، ما يمنح الرياض مرونة أكبر في الحركة، وتأثيرا أكبر على عدد من الأسواق الدولية المهمة، والجانب الآخر يتمثل في تعزيز مراكز القوى التقليدية في الاقتصاد السعودي، عبر دعم الشراكة الدولية مع الفاعلين الرئيسيين في مجال شديد الحيوية كالطاقة مثلا، وبذلك تؤسس المملكة لأرضية جديدة من التعاون الاقتصادي البناء، وبمقدار ما يصب ذلك في خدمة المصالح الوطنية السعودية، يمنح الأسواق الدولية أيضا درجة أعلى من الاستقرار، وهو ما يجعل السعودية بمنزلة مرجعية اقتصادية دولية يمكن للاقتصاد العالمي الاتكال عليها في وقت الأزمات”.
لا تختلف الدكتورة سو فينلي أستاذة اقتصادات الطاقة مع هذا التحليل لأهمية الزيارة. لكنها تعتقد أن التداعيات الناجمة عنها على الأسواق العالمية ستكون شديدة الوضوح خلال فترة قصيرة للغاية، كما أن الزيارة من الأهمية حيث يمكن أن تعيد تشكيل أسواق الطاقة في العالم بطريقة ملحوظة.
وتؤكد لـ”الاقتصادية”أن مجموعة الصفقات التي تم توقيعها يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة في سوق الطاقة العالمية، ليس من منطلق القيمة الاستثمارية للمشاريع، وإنما من منطلق تقليص المنافسة السلبية في الأسواق، وهو ما سينعكس حتما على المستويات السعرية للنفط، خاصة أن القمة السعودية ـــ الروسية تسبق قمة “أوبك” التي ستعقد في فيينا الشهر المقبل، ولا شك أن نموذج التعاون الروسي ـــ السعودي قد يصبح النموذج – المثال في أسواق الطاقة، لتحديد أشكال التعاون المستقبلي في هذا المجال.
وتضيف “السعودية بذلك التحرك النوعي الاستراتيجي تفتح المجال واسعا لمزيد من التعاون، ليس بالضرورة بين كبار المنتجين للنفط فقط، بل أيضا مع شركات دولية عملاقة مثل شركة شل على سبيل المثال، وبذلك يمكن أن تتحول الرياض بحكم ما تتمتع به من ثقل في مجال إنتاج النفط، إلى حلقة الوصل بين المنافسين المختلفين في هذا المجال، على أمل أن يتجاوز التعاون النفطي حدود الخلافات الراهنة في هذا السوق”.
وتستدرك قائلة ” لكن الأمر المؤكد أن نجاح الرياض في ذلك، يعني نقلة نوعية في إدارة سوق النفط الدولية بطريقة قد تحقق التوازن المطلوب بين الإنتاج والاستهلاك في هذا السوق الاستراتيجي على الأمدين المتوسط والطويل”.
من جهته، يعتقد الخبير الاستثماري الدولي دولن دنت أن ملامح الطابع الاستثماري وتفاصيل الاتفاقات والصفقات التي أبرمت خلال الزيارة، ليست إلا مجرد البداية لأفق واسع من التعاون الاستثماري بين موسكو والرياض، يقوم على الشراكة الثنائية في المرحلة الأولى، دون أن يستبعد أن يتضمن في مراحل لاحقة آفاقا أوسع لضم شركاء دوليين آخريين.
ويقول لـ”الاقتصادية”، “في اللحظة الراهنة نحن ننظر إلى قمة جبل الجليد الاستثماري بين قطبي أكبر منتجي النفط في العالم السعودية وروسيا، ومن المنطقي بطبيعة الحال أن يبدأ التعاون الاستثماري بين البلدين في المجال الذي يتمتع فيه الطرفين بمزايا نسبية، ليس فقط من قبيل التعرف عن قرب على منطق التفكير السائد لديهما في إدارة العمل الاستثماري، ولكن لمزيد من الاستيعاب للأفق الاستثماري الذي يمكن أن يسير فيه البلدان معا مستقبلا”.
ويؤكد دول نديت أنه من غير المنطقي أن تقف الرياض وموسكو عند حدود التعاون في مجال النفط، فالروس يدركون طبيعة البنية الأساسية المتطورة في المملكة، ورغبة الرياض في تعزيز التعاون الاستراتيجي إلى مجالات أخرى خاصة الاستثمار في التكنولوجيا، ولا شك أن الرياض بذلك تحقق هدفا أكبر من الربحية المالية بمفهومها الضيق، لتوجد درجة أعلى من التنوع فيما يتعلق بالشركاء الدوليين في مجال حيوي سواء النفط أو التكنولوجيا. ويشير إلى أن هذا التنوع يحول الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد جاذب للاستثمارات الدولية، حيث لا يمكن وضعه في خانة محددة يعتمد فيها على تكنولوجيا مجموعة دولية واحدة، في الوقت ذاته يوفر الاقتصاد السعودي عبر استراتيجية التنوع التي يتبناها حاليا، آفاقا أوسع له لتوجيه فوائضه المالية للاستثمار في عدد أكبر من الأسواق الدولية، بعضها غير مطروق مسبقا مثل الأسواق الروسية، وهذا يولد ضمانة أكبر لتعزيز ربحية تلك الفوائض، وتحقيق الأمان الاستثماري لها وهو ما يعود بالفائدة على مستوى معيشة المواطن السعودي.