بالفيديو.. خطبة الجمعة من المسجد الحرام
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال فضيلته ” إنَّ مِنَ الحقائقِ الكُبْرى، التي لا تحجِبُها الأهْواءُ، ولا تغيِّرُها الآراءُ: أنَّ هذا العالَمَ عُلْويَّه وسُفليَّه، إنسَه وجنَّه، وجميعَ خَلْقِه، مفتقِرٌ إلى الله غايةَ الافتقارِ، مضطَرٌّ إليه أبلغَ الاضطرار، لا غِنى له عنه طَرْفةَ عينٍ، ولا قيامَ له من دونه، ولا حياةَ له أصلا؛ فإنَّه تعالى الحيُّ القيُّوم، الذي يقوم على خلقه بما يُصلِحُهم، فلا صلاحَ لهم من دونه أبدًا.
وأضاف أنَّ هذا الافتقار وإنْ تعدَّدت أنواعُه، واختلفت أحوالُه؛ فإنَّ هناك نوعًا هو أشرفُها وأكرمُها وأعلاها وأغلاها، وهو نوعٌ يتسامى عن زُخرف الحياة وملذَّاتها، إنَّه الافتقار إلى الله تعالى أنْ يغفر الذَّنوب، ويستر العيوب، ويطهِّر القلوبَ، ويأذنَ بالتَّوبة، ويفتح لها المغاليق ، وكانَ السَّعيُ إلى هذا المطلبِ هو دَأْبَ المرسلين وهِجِّيراهم، الذي أقضَّ منهم المضاجِعَ، وأقامهم بين يَدَيْ ربِّهم، لا يَفْتَأونَ يسألونه تعالى المغفرةَ والرحمةَ، بقلوبٍ مُلْتَهِبة، وأنفسٍ مُبتَهِلةٍ، وأعينٍ خاشعة ، حيث كان سيِّدُ الأوَّلين والآخرين محمدُ إبنُ عبدِ اللهِ، عليه صلواتُ اللهِ أرغبَ النَّاسِ إلى ربِّه، وأخوفَهم من مَقامه، وأشدَّهم رَهَبًا من غضبه وعقابه، وأليمِ عَذابِه، وقد ألهمه سبحانه الاستغفارَ والتوبةَ إليه، فكان ذلك يجري منه مجرى النَّفَس، فعن أبي هريرة قال: سمعتُ رسولَ اللهِ يقول: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
وأشار فضيلته الى إن هذه أحوالُ من اصطفاهم الله لوحيه، واجتباهم لرسالاته، هُمْ أشدُّ النَّاسِ له خشيةً ورهبةً، وأرغبُ النَّاسِ في مغفرته ورحمته، وأسرعُهم إلى الإنابة والتَّوبة إليه، وبِقَدْرِ معرفةِ العبد لربِّه يكونُ خوفُه منه، وتعظيمُه له ، مبيناً إن منزِلةَ التَّوبةِ هي أوَّلُ المنازلِ وأوسطُها وآخرُها، فلا يُفارِقُها العبدُ السَّالكُ إلى اللهِ، ولا يَزالُ فيها إلى المماتِ؛ فالتَّوبةُ هي بداية العَبْدِ ونهايتُه، وحاجتُه إليها ضرورية في النِّهايةِ، كحاجتِه إليها في البداية.
وقال إن عُبُوديَّة التَّوبةِ من أَحَبِّ العُبُوديَّاتِ إلى اللهِ تعالى وأكرمها عليه؛ فإنَّه سبحانه يحبُّ التوَّابين، ولو لم تكن التَّوبةُ أحبَّ الأشياءِ إليه؛ لما ابتلى بالذَّنب أكرمَ الخلقِ عليه؛ ولهذا يَفْرَحُ سبحانه بتوبةِ عبدِهِ حينَ يَتوبُ أعظمَ فَرَحٍ يُقدَّر.
وأضاف أنَّ لهذا الفرح تأثيرًا عظيمًا في حال التَّائب وقلبِه، وهو من أسرار تقدير الله الذنوب على العباد, فالعبدُ ينال بالتَّوبة درجة المحبوبيَّة، فيصيرُ حبيبًا لله؛ فإنَّ اللهَ يُحبُّ التَّوَّابين ويحبُّ العبدَ الـمُفَتَّنَ التَّوَّاب؛ لما في عبوديته من الذُّلِّ والانكسارِ والخضوعِ لله، والتذلُّلِ له ، والذُّلُّ والانكسارُ روحُ العبودية ومُخُّها ولُبُّها، واللهُ سبحانه أقربُ ما يكون إلى عبده عند ذُلِّه وانْكسارِ قلبِهِ، والقَصْدُ: أنَّ شَمْعةَ الخير والفضلِ والعطايا إنَّما تَنْزِل في شَمْعَدَانِ الانكسارِ، وللعاصي التَّائبِ من ذلك نصيبٌ وافر.