عام

(( هنا لندن إذاعة الـ BBC ))

مازلت ٲؤمن بأن الماضي أجمل وأجمل ! مع ذكريات مذياع أبّي (رحمة الله عليه) عندما أدهشتني دقات ساعة بيغ بن الشهيرة في لندن وأثناء قرأتي عنها وجدت بأن بداية “عملها كان في 3 يونيو عام 1859م.
و “بيغ بن” هو إسم الجرس العظيم الذي يدق على مدار اليوم من خلال الساعة وست منستر” في لندن ، وقد إرتبطت بها هيئة الأذاعة والإعلام البريطانية فيما بعد ومقرها في “وايت ستيت” غرب لندن والتي بدٲت البث الإذاعي من خلال إيقونتها ((هنا لندن إذاعة الـ BBC!! )) بتاريخ31 ديسمبر من عام 1923م، حيث إنطلقا عبر الأثير عالمياً .
وفي هذه اللحظات عادت بي ذاكرتي إلى أيام الطيبين إلى آواخر عقد الستينيات عندما كنت في نعومة أضفاري حينها كنت أجلس بديوان والدي(رحمه الله) وٲستمع إليها مع المستمعين وٲحببتها ولا سيّما صوت المذيع (ماجد سرحان والمذيعة السعودية هدى الرشيد ) وذلك من خلال الصندوق الخشبي العجيب الذي يكسوه قطعة من القماش ، وكان والدي اذا أراد أن يستمع ينظر الى معصمه وٲنا لا أعرف هذا السر!! المتلازم مع هذا المذياع في هذا الوقت ويطلب من الحضور حسن الإنصات والسمع ومن ثم يشغل المذياع وبعد لحظات قليلة تدوّي ساعة (بيغ بن )بصوتها المميز ومن ثم يطلق عنانه ماجد سرحان هنا لندن؟! وينصت الجميع ، وعند إنتهاء الأخبار كنت أسمع والدي يقول عبارته “عطونا القهوه” فتبدأ التحاليل مع اصدقائه والحاضرين بعد أخذ فنجالاً من البن كأنه يضيف حلاوة على الحوار ويتناغم مع صوت المذياع وكان بعض كبار السن لا يصدق بهذا الهراء أبداً ، ولم يعلم مايدور من حولنا ، لكن الواضح ٲنهم كانوا متفقين بأنه عمل إرهابي يهودي وبٲجنده أنجليزية في “خراب مالطه” كما يقال وهي دمار الوطن العربي ونهب خيراته !!
ومن ثم يذهبُ الجميع إلى صلاة الظهر ، ويعود والدي مع مذياعه ، يتابع بعض البرامج والمحطات الأخرى مثل صوت العرب علماً ٲن والدي لايثق بها أطلاقاً !! ويتنقل من محطه إلى أخرى يبحث عن برامج اخرى متابعاً الوست إند يراقب الوقت لنشرة الأخبار وبرنامج “الظهيره” أو برنامج “همزة وصل” يستمع لها بكل شغف.
وهكذا تعانقت الساعةالسويسرية وصوت لندن وساعة بيغ بن الذي يطرب مسامع والدي !! وعشقي لها حتى هذه اللحظة
وقبل أن أعرف موقعها الجغرافي فإنها قد
قدّمت “لندن”نفسها لطفولتي عبر ذلك المذياع وصوت ساعتها الشهيرة بيغ بن وأصواتها الجميلة المؤثرة على نفسيتي وذاكرتي ومخيّلتي وذلك الشيخ الذي لن ولم أنساه أبداً.
وعندما تسدل الشمس أشعتها للمغيب لنا موعد آخر من تهيأة القناديل أو الأصح ( الفوانيس) لسَمَر الليل ،ويعود أصدقاء أبي مرة أخرى ، وفي هذه اللحظات تأتي مرحلة شحن “الوست إند” بفرك رأسها لتسطع طوال وقت الليل كنجوم السماء ، وتنساب عقاربها طوال الليل .
وكانت لندن والعالم منذ ذلك العصر المبكر تضبط أزمنتها على ساعة بيغ بن ، لتظهر للعالم كم هي تحترم الوقت وكم هو الزمن ثمين وكنا نحن في بلداننا متبعين لهم في هذا المؤقت الزمني من خلال هذه الإذاعة وكنا نحدد مواقيت الأذان ومواعيد الأخبار وخلاف ذلك من المواعيد ، وحتى عند تعانق عقارب الساعة أو تعامدها في وقت أذان الفجر حيث تلد الشمس مرةً ثانية ويبتدئ موقد أبي يعلو بالدخان ليعانق كبد السماء و رنين النجر العتيق كصوت أجراس بيغ بن فيٲتي من أراد ٲن يحتسي القهوة مبكراً مع صليل هذا النجر المسموع ينادي أهل الكيف للقهوة العربية الأصيلة واليسير من الطعام للضيوف ٲو لعابر سبيل إلى بعد إفول الشمس في مغربها ، وثم أيضا بمواقيتها تنطفيء المواقد وتسكت دلال القهوة عن الفوران من بعد صلاة العشاء تقريباً إذا لم يكن هناك شيء؟! .
ونتجمع حول المذياع الرائع للاستماع إلى “صوت العرب” أو الأستمتاع لإذاعة القرآن الكريم من مكة المكرة لبرنامج ( نورٌ على الدرب )أو إذاعة الرياض في برنامج ( من قائل هذا البيت) لمقدمه الإعلامي المميز الخميس (رحمة الله عليه ).
ولكن !! رغم ذلك كانت لندن في ذلك الوقت وفرنسا والمجموعة الأوربية هي سبب سياسات “سايكس بيكو” عندما تآمر وزير خارجية بريطانيا وزميله وزير خارجية فرنسا في تقسيم بلادنا من خلال وعْدهم المشؤوم “بلفور” بحق فلسطين العربية ،وكذلك تآمر الفرس المجوس باغتصاب إمارة الأحواز العربية والغدر بالأمير خزعل وأبنائه من قبل الفرس وضمها إلى أيران !!
وكما تلطخت أيادي الأنجليز بإعدام المجاهد البطل الشهيد ضاري بن محمود الزوبعي قائد ثورة العشرين بالعراق ،
في حين شنقت ايطاليا المجاهد عمر المختار وتلطخت أيادي روما بدماء الليبيين.
كما تجرأ نابليون مِن قَبلهم في غزو مصر ودخول الٲزهر الشريف حين دنّسوه ونجّسوه بخيولهم.
كما لا ننسهى أنها هي التي زرعت اسرائيل وثم وكّلت عليها (واشنطن) في تهويد فلسطين والأقصى وقبة الصخرة وطرد شعبها بالمخيمات بينما بيوتهم يتدفأ فيها ٲحفاد القردة والخنازير!!
إلا إن بريطانيا تغلغلت في بلداننا ووثّقت ٲرشيفنا ووثائقنا وكل أسرارنا لديها وسخرت كل مواردنا للمستعمر الأوروبي .
وإلى الآن فإن لندن هي الطرف الأول والأخير في الإثم في وقتنا الحالي ومعها اللوبي الصهيوني الذي يديرون نهاراً جهاراً دفة الشر ومعهم مشعوذوا الأنس والجن من الفرس المجوس البربري اللعين ، وهي التي تلطخت أياديها بدمائنا وقتلت العرب السنّه بالعراق وسوريا ولبنان واليمن ورفعت كل أعلام الطائفية على أراضي الوطن العربي،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى