بعد 20 عاما.. اليورو بحاجة لمزيد من التضامن الأوروبي
نجح اليورو خلال عشرين عاما منذ تأسيسه في فرض نفسه كعملة قوية في الأسواق والمحفظات ونجا من أزمات كبرى، غير أنه سيبقى عملاقا مكبلا ما لم يستند إلى تضامن أوروبي متزايد.
وأطلق اليورو لأول مرة في 1 كانون الثاني/يناير 1999، كعملة افتراضية تستخدم في المحاسبة والتعاملات المالية فقط.
وأصبح اليورو حقيقة ملموسة للاوروبيين بعد ثلاثة أعوام، والآن تستخدم عملته المعدنية والورقية من جانب أكثر من 340 مليون شخص في 19 دولة أوروبية.
ولم يدخل اليورو القلوب على الفور، إذ لام البعض عليه التسبّب في ارتفاع الأسعار. ففي ألمانيا أطلق عليه اسم “تورو” في تحريف لكلمة ألمانية تعني غالي الثمن.
لكن سهولة السفر وإجراء الأعمال عبر الحدود دون قلق إزاء خسارة الأموال نتيجة تقلبات أسعار الصرف سرعان ما حقق له قبولا.
والآن، يحظى اليورو بشعبية كبيرة غير مسبوقة رغم تصاعد النزعات المشككة في الاتحاد الاوروبي والحركات الشعبوية في عدد من بلدان التكتل.
وفي استطلاع للمصرف المركزي الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، قال 74 بالمئة من المواطنين الاوروبيين إنّ اليورو أفاد الاتحاد الاوروبي، فيما قال 64 بالمئة منهم إنّه أفاد بلادهم.
وقال نيكولاس فيرون الباحث في مركز بروغيل للأبحاث في بروكسل ومعهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن إن “اليورو بات راسخا لدى السكان حتى الأحزاب المناهضة للمؤسسات أقرت بذلك”.
وبات اليورو ثاني أهم عملة في العالم، إلا أنه يبقى بعيدا عن تحدي هيمنة الدولار الأميركي.
وواجه اليورو لحظة حاسمة بعد أن أدت تداعيات الأزمة المالية في العام 2008 إلى أزمة ديون ضخمة في منطقة اليورو بلغت ذروتها بتقديم صفقات انقاذ لعدة دول، ما دفع التكتل النقدي إلى نقطة الانهيار وشكل اختبارا قاسيا لوحدة صفوفه.
لكن خبراء قالوا إنّ ذلك الوقت المضطرب كشف الثغرات الحقيقية لمشروع اليورو، ومن بينها افتقاره للتضامن النقدي ووجود مقرضين كملاذ أخير.
كما أبرزت الأزمة التفاوت الاقتصادي الكبير بين أعضاء منطقة اليورو، خصوصا بين الشمال الحذر ماليا والجنوب الغارق في الديون.
ويحسب لرئيس المصرف المركزي الاوروبي ماريو دراغي إنقاذ الاتحاد الاوروبي في العام 2012 حين أرسى مبدأ أساسيا، مفاده أنّ المؤسسة التي تشرف على السياسة النقدية الاوروبية من مقرها في فرانكفورت ستقوم “بكل ما يتطلبه الأمر” للحفاظ على اليورو.
وتعهد المصرف المركزي بشراء، إذا تطلب الأمر، عدد غير محدود من السندات الحكومية من الدول المديونة.
واتخذ المصرف المركزي إجراءات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة لضمان تدفق الاموال في منطقة اليورو ودرء مخاطر الانكماش.
وحدد معدلات فائدة منخفضة في شكل قياسي ومنح قروضا رخيصة لمصارف واشترى سندات حكومية وتجارية بأكثر من 2,6 تريليون يورو (3 تريليون دولار) بين عامي 2015 و2018.
ومع اقتراب معدل التضخم في منطقة اليورو من أقل من 2 بالمئة وهو الهدف الذي حدده المصرف، اعتبرت محفزات المصرف المركزي للاقتصاد الاوروبي قصة نجاح في السياسات النقدية.
لكن مراقبين قالوا إنّ دول منطقة اليورو الـ19 لم يفعلوا ما هو كاف لتنفيذ الإصلاحات السياسية الضرورية لتهيئة المنطقة بشكل مناسب لاي انكماش في المستقبل وتحقيق تقارب اقتصادي أكبر.
ولم يكمل اعضاء منطقة اليورو إجراءات التوصل للاتحاد المصرفي الذي طال انتظاره، وسط خلافات حول إنشاء نظام تأمين على الودائع في جميع أنحاء أوروبا.
وخفت اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باستحداث موازنة لمنطقة اليورو إلى حد كبير، إذ وافق قادة المنطقة في كانون الأول/ ديسمبر فقط على النظر في صيغة مصغرة من المقترح فيما لا يزال الغموض يخيم على التفاصيل.
وسيتم التفاهم في حزيران/يونيو 2019 على أبرز مواصفات هذه الموازنة التي سيتم إدراجها في موازنة الاتحاد الاوروبي.
وتم تجاهل خطط ماكرون الطموحة بشان استحداث وزير مالية لمنطقة اليورو أو نسخة أوروبية من صندوق النقد الدولي.
وقال خبير الاقتصاد السابق في المصرف المركزي الفرنسي جيل مويك إنّ المصرف المركزي الأوروبي فعل “كل ما يمكن فعله” لدعم اليورو.
لكن المحلل فيرون يتبنى نظرة متفائلة، مشيرا إلى أنّ اليورو تم تقويته عبر تصحيح مالية المصارف والجهود لكبح الديون العامة وإجراءات المصرف المركزي الاوروبي الاستثنائية.
وأكّد أنّ اليورو الآن “عملاق ذو أقدام من الطوب وليس من الطين”.