كيف أحبط عملاء سريون مؤامرة «قطع رأس» ماي؟
كان يعرف اللوازم التي يحتاج إليها، بما في ذلك حقيبة رياضية ملونة بالأسود والرمادي وسترة بقلنسوة. لوازم سياحية معتادة في بريطانيا. درس الوقت اللازم لخطته. إن تمكن فقط من اجتياز البوابة، فإن الركض لمدة 10 ثوانٍ كفيل بأن يقربه من أشهر باب على مستوى العالم. المدخل المصقول باللون الأسود في 10 داونينغ ستريت، رمز الدولة البريطانية. وبمجرد الدخول إلى هناك، كان نعيم الرحمن زكريا يأمل بقطع رأس السيدة القاطنة في ذلك المبنى، رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
بيد أن نعيم الرحمن لم يكن الوحيد على علم بالخطة؛ إذ شارك طموحاته مع أحد رفاقه ويُدعى «شاك»، الذي عرّف نفسه بأنه مسؤول توفير الأسلحة لعناصر تنظيم داعش الإرهابي. كان المتطرف المفترض الذي يتولى مساعدة نعيم الرحمن في واقع الأمر ضابط شرطة يعمل في الخفاء مع جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني «إم آي6»، وجهاز الأمن الداخلي، إلى جانب مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي «إف بي آي»، وذلك وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية.
نجحت العملية السرية في اعتقال نعيم الرحمن البالغ من العمر 20 عاماً، الذي تمت إدانته، أول من أمس، أمام محكمة «أولد بايلي» الجنائية في لندن بتهمة الإعداد لأعمال إرهابية. وكان نعيم الرحمن قد ألقي القبض عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسيصدر الحكم بحقه في وقت لاحق.
كان الشاب المقيم في شمال لندن، الذي ذكر أنه بريطاني – بنغالي، قد ظهر على رادارات السلطات البريطانية قبل ثلاثة أعوام إثر مخاوف من محاولة عمه الذي غادر بريطانيا إلى سوريا في عام 2014، غسل دماغه بهدف إقناعه بالترتيب لشن هجوم داخل البلاد. ورصدت السلطات إرسال العم مواد تتعلق بكيفية صناعة القنابل إلى ابن أخيه المراهق الذي نشأ في بلدة صناعية قرب برمنغهام.
وقُتل العم مصدق الرحمن إثر غارة جوية نفذتها قوات التحالف الدولي ضد «داعش» قرب مدينة الرقة السورية في يونيو (حزيران) 2017. ويقول ممثلو الادعاء في القضية، إن نعيم الرحمن قد أضمر نية الانتقام بعد علمه بمقتل عمه بالغارة في سوريا. وخلال الليالي الطويلة التي قضاها في خلفية إحدى السيارات بعدما أصبح بلا مأوى إثر مشاجرات مع والدته وأقارب آخرين، صار هدفه هو رئيسة وزراء البلاد.
في مطلع العام نفسه، أجرت السلطات تحقيقاً بشأن مزاعم تفيد بأن نعيم الرحمن أرسل صوراً غير لائقة إلى إحدى القاصرات. وخلال التحقيق ظهرت أدلة تثبت استمرار اتصاله بعمه. ولم توجه إليه الاتهامات في التحقيق الأوليّ، غير أن تفتيش هاتفه المحمول أثار الشكوك بشأن تبنيه الأفكار والآراء المتطرفة، كما ذكرت صحيفة «الغارديان». وبدأت العملية السرية عندما شرع نعيم الرحمن في الاتصال بعميل المباحث الفيدرالية الذي انتحل شخصية مسؤول تابع لتنظيم داعش على وسائل التواصل الاجتماعي. وقدمه ضابط الاستخبارات الأميركية إلى عملاء في الاستخبارات الداخلية البريطانية «إم آي5» قدموا أنفسهم باعتبارهم متطرفين.
وعلى تطبيق «تلغرام» للتراسل، سأل نعيم الرحمن عملاء الاستخبارات قائلاً: «هل يمكنكم إلحاقي بإحدى الخلايا النائمة على وجه السرعة؟ إنني أريد تنفيذ هجوم انتحاري على مبنى البرلمان. وأريد محاولة اغتيال تيريزا ماي». وأعاد التأكيد على عزمه وتصميمه في اليوم التالي؛ إذ كتب قائلاً، إن «غرضي هو إطاحة هدفي. وليس أقل من مقتل زعماء البرلمان البريطاني».
تضمنت خطته مسح مباني الخدمة المدنية والحكومة البريطانية، وأعطى حقيبة ظهر رياضية وسترة لضابط الشرطة المتخفي الذي وعده بحشوها بالمواد المتفجرة. وفي محادثاته مع الضابط، أشاد نعيم الرحمن بمنفذ حادثة تفجير مانشستر التي حصدت أرواح 23 بريطانياً، بينهم المهاجم، في حفلة أريانا غراندي قبل عام. وكانت الحادثة الإرهابية المروّعة من بين سلسلة الهجمات الإرهابية التي هزت بريطانيا في 2017، ووضعت أجهزة الأمن في حالة تأهب قصوى منذ ذلك التاريخ. ووقع هجوم آخر أمام مقر البرلمان البريطاني. ويبدو أن نعيم الرحمن استمد إلهامه من مثل هذه الحوادث الرهيبة.
وقال نعيم الرحمن لضابط الشرطة المتنكر الذي يحمل اسم «شاك» في تسجيل تم تشغيله أمام هيئة المحكمة «أريد أن ألقي بالحقيبة عند البوابة حتى تنفجر قليلاً، وأستطيع المرور منها ثم أركض سريعاً، وأفكر في اختطاف رهينة حتى أتمكن من الوصول إلى الباب فعلياً». وكانت نيته، كما قال، هي «الاندفاع مقترباً من تيريزا ماي. إنها تنام هناك في كل ليلة». وقال للضابط المتنكر، إن هدفه هو «قطع رأس» رئيسة الوزراء.
كان الهدف الأولي لنعيم الرحمن هو الحصول على شاحنة مفخخة وأسلحة نارية. لكنه أعاد التفكير في خططه لأنه لم يكن يعرف قيادة السيارات ولا كيفية استعمال الأسلحة النارية. واستقر رأيه على طريقة أكثر بدائية وطلب تجهيز الحقيبة والسترة بالمتفجرات، فبايع «داعش» في شريط مصوّر. وبحلول نهاية نوفمبر، أعاد العميل المتنكر الحقيبة والسترة إلى نعيم الرحمن وفيهما متفجرات مزيفة. وقال نعيم الرحمن للضابط المتنكر وهو يأخذ منه الأشياء: «أتدري؟ لدي شعور جيد بعدما رأيت كل هذه الأشياء»، وفقاً للتسجيلات التي عُرضت على المحكمة. وألقي القبض على نعيم الرحمن وهو يغادر مكان اللقاء، وقال لاحقاً «أنا سعيد بأن الأمر انتهى».
وأثناء المحاكمة التي بدأت الشهر الماضي، قال ممثلو الادعاء، إنهم يعتقدون أن نعيم الرحمن كان على بعد أيام من محاولة تنفيذ مؤامرة لاغتيال ماي. وقال المتهم لهيئة المحلفين، إن خطته لم تكن سوى محض خيال، وإنه كان يحاول فقط إثارة إعجاب الرجال الذين كان يعتقد أنهم يرافقون عمه في سوريا.
وضعت الاحتياطات الأمنية لإبقاء مخططات اختراق مقر الحكومة البريطانية في عالم الخيال المحض. وكان الشارع الذي يقع فيه مقر الحكومة قد أغلق في وجه الجمهور اعتباراً من 1989 ويخضع لحراسة أمنية مشددة. وازدادت حدة الدفاعات حول المقر في أعقاب قذائف الهاون التي أطلقها عناصر «الجيش الجمهوري الآيرلندي» على المبنى في محاولة لاغتيال رئيس الوزراء السابق جون ميجور، إلى جانب أعضاء مجلس الوزراء كانوا يشرفون على مشاركة الجيش البريطاني في حرب الخليج آنذاك.