أخبار

آفة الآفات ..

عند التحليل الدقيق ، تبدو آفة الحسد أقرب الآفات إلى القول بالحظ والصدفة!!
فالحسد نوعان : نوع إيجابي بنّاء ، ونوع سلبي هدّام . اما الإيجابي منه ( فهو يُحفّز الحاسد ) على المزيد من الجهد ، وهو ما نسميه ( غبطة )، وهو بنظري يجب أن يكون أقرب إلى الإقتداء من الغبطة أو الحسد بذاته الأصلية ، لأن المقتدي يُحِب المقتدي به، وَيُرِيد أن يتمثّل به، والمقتدى به هو في منزلة ( البطل ) عند المقتدي ، لذلك الأخير لا يرغب في انهيار الأول أو فشله، بل إنه بخلاف ذلك يرغب في قربه صفة ووجوداً.
لذلك بمقدار ما تتغلب على الحسد أو – الغبطة- إن صحّت التسمية، روح الإقتداء؛ بمقدار ما يصعب أن نسميه حسداً .!!

اما الحسد السلبي الهدام – الحسد الأصلي الذي نعرفه – فيتأكل نفس الحاسد بحيث يدفعه بالفكر والفعل؛ إلى محاولة إزالة المحسود.!
فالنفس البشرية بطبيعتها ( غريبة ورهيبة )، مطبوعة في الأساس على الميل إلى الشرّ ، ولا يثنيها عن ذلك إلا المستعان الأعلى ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّ ).
ومن لا يعرف هذه الحقيقة عن نفسه ، ولا يُقرّ بها ؛ فهو إمّا جاهل ، أو منافق.!
ثم أنه كثيراً ما يختلط الحسدان الإيجابي والسلبي، بحيث يصعب إلى حدّ بعيد تمييز كل منهما في النفس الواحدة أو تقديره .!!
لذلك الدأب على تطهير النفس بإستمرار في اعتقادي ضرورة حتمية .!
ولنسأل أنفسنا؛
هل تقبل نجاح غيرك أو وصوله ، أو حتى مجرد وجوده في بعض الأحيان ، فتنهض إلى الإقتداء بِه دون أن تخالج نفسك أدنى رغبة في زواله، أو اعتراض مسيرته، أو عرقلته ؟!
ولو كان عليك أن تختار وجودياً ومجتمعياً ، أن تكون أنت هو أو يكون هو أنت ؛ هل تفضّله على نفسك برضى ومحبه ؟!

لا أخال شيئاً في الوجود أدّى إلى التعس والبؤس والشرّ؛ فوق ما أدى إليه الحسد الإفنائي في التاريخ البعيد والقريب الى وقتنا الحالي، إنه المصدر الأول والأخير للفتن والقلاقل والحروب، والمنشأ الاول للخوف والبغض وسوء التفاهم، إنه أصل كل تنابذ بين الإخوان والأصدقاء ، فكأن ظل الآخر يثقل عليك حتى لا يُطاق !!
وكأن عينيك تضيقان حتى لمجرد رؤيته !!
لماذا يكون هو ولا أكون أنا ؟!
بل إن الـ لماذا تتعدى ساعات المركز الإجتماعي فيما نُضمره أحياناً، وتمتدّ إلى الوجود في ذاته!!
إن هذا الموقف الكياني الحاسد هو علّة كل فساد وخراب.
لقد تكبّر الشيطان وطغى وبغى وتجبّر، فحسد الله خالقه، واراد أن يكون له صنوا ، فسقط وحلّت عليه اللعنة الى الأبد .!
وهابيل قتله اخوه قابيل بفعل الحسد.!
وبفعل الحسد يشهد القران بالتآمر على الرسول وصحابته وقبله الأنبياء .!

إن آثار الحسد تفعل فعلها في نفس الحاسد ، وليس المحسود الذي يجهل ذلك الحسد في معظم الأحيان، فأنا حين أقول ( لماذا يكون هو ولا أكون أنا ) فكأنما أقول إنه وصل إلى ما وصل إليه بمحظ الصدفة، أو بالحيلة، أي أنه لم يكن يستحق الوصول، ولذلك أحقد عليه، وأقول في نفسي : كما وصل هو إلى ما وصل إليه بالصدفة، أو بالحيلة؛ أيضاً أستطيع أنا أن أصل اليه بالصدفة أو الحيلة.!!
اذا المسألة في نظري ليست مسألة جدارة واستحقاق، بل حيلة أو صدفة أو حظ، لذلك احسد صاحبي، لأن (( اللا شيء )) أوصله إلى (( شيء ))، وهذه النظرة هي الحسد ؛ بل كل الحسد يا أصدقائي، وهي مصدر إحباط وتثبيط عن مستقبلنا !!
الحسد وفق تعريفي المتواضع ؛
هو اتجاه شخصي كياني إلى الفناء ، نتيجة عدم القدرة على المثول الشاكر المحب المعجب أمام الموجود، وهو فناء للنفس الحاسدة وللمحسود في آن معاً..

وختاماً ؛
اعتبروا ممن دعمتهم المملكة العربية السعودية بالمال والرجال لخدمة قضاياهم، وتأملوا حسدهم الإفنائي وعداوتهم لبلادنا ؛ وتأملوا حالهم وحال بلدانهم ؛ فهل من معتبر ..؟!
@aljubaila

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى