“العيسى”: هذه هي منهجيتنا الجديدة للقضاء على “الحفظ” وتعزيز “الفهم”
تخطط وزارة التعليم إلى إحداث منهجية جديدة في آلية التعليم داخل المدارس السعودية، وتركز على “المعلم” دون سواه، الذي سيجد نفسه مطالباً اليوم أكثر من أي وقت مضى، بتغيير طريقة الشرح والتعامل بينه وبين الطالب، فلن يكون مطلوباً من المعلم أن يقف أمام الطلاب، يحشو أدمغتهم بمعلومات المقررات المدرسية، ويعيد ويكرر عليهم ذكرها، حتى يحفظوها عن ظهر قلب، وإنما بات عليه أن يحفز الطلاب على التفكير العلمي، ودفعه للابتكار والتجديد وإمعان الفكر وليس الحفظ.
وأكد وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى أن وزارته بأقسامها وإداراتها وشركاتها كافة، لديها العزيمة والإصرار لتنفيذ البرامج والمشاريع والمبادرات التي تستهدف تطوير المنظومة التعليمية بتفاصيلها كافة، وفق متطلبات رؤية 2030.
ودعا “العيسى” في مقاله المنشور اليوم في صحيفة “الحياة” إلى إيجاد طرق ووسائل ومبادرات أكثر حداثة، تربط بين “المعلم” و”الطالب”، من جهة، وتستثمر مصادر المعرفة المختلفة من جهة أخرى، مشدداً في المقال ذاته على أهمية مبادرة “التعليم المعتمد على الكفايات”، وهو ما يسفر عنه إيجاد أجيال متعلمة ومثقفة وواعية بشكل حديث، فضلاً عن أنها تمتلك العلم المطلوب الذي يهيئها إلى الإبداع.
لم يكن مستغرباً أن يركز الدكتور “العيسى” على هذه المبادرة، معتبراً إياها من المبادرات المهمة في العملية التعليمية؛ لأنها تستهدف تطوير فلسفة التعليم والتعلم، من خلال تدريب المعلمين لتغيير دورهم وطريقتهم في التدريس، وقد لامس “مشكلة التعليم الأسياسية”، التي لطالما حذر منها المتخصصون في التعليم، وهي “الحفظ لا الفهم” في المدارس السعودية، عندما قال: “بدلاً من التركيز على نقل المحتوى المعرفي فحسب، يكون التركيز على عمق الفهم المعرفي؛ تطبيقاً وتحليلاً وتركيباً، كما يكون التركيز على المهارات المعرفية وغير المعرفية، التي ينبغي أن يخرج بها الطالب من مواقف”. وهو ما يبشر بمحاولات جادة من الوزارة، لحل هذه المشكلة التي يبدو أنها تحولت إلى أزمة، والقضاء على الحفظ “البغبغائي” داخل المدارس، واستبداله بالفهم والتمعن، ومن ثم القدرة على الابتكار والإبداع.
ولعل ما يطمئن الجميع على جدية الوزارة في مسعاها، إقرار الوزير نفسه بخطورة الحفظ، قائلاً: “غني عن القول أن حفظ المعلومة اليوم لم يعد له شأن كبير في ظل توافر مصادر المعرفة الورقية والإلكترونية، كما أن المعلومة مهما بذل الطالب من جهد في حفظها واستذكارها، سيتم نسيانها مع مرور الزمن ولا يعيش في ذاكرة الطالب سوى المعلومات التي يستخدمها بشكل يومي أو دوري، ولهذا فإن الأهم من ذلك كله هو المهارات والقيم التي يكتسبها الطالب من عملية التعلم والتعليم بما في ذلك المهارات غير المعرفية كالتفكير الناقد وحل المشكلات ومهارات التواصل والتعاون مع الآخرين ومهارات التفاوض والاستماع التي تساعد الطالب على استيعاب المعارف الجديدة، ويكون قادراً على اختيار المعلومة الصحيحة ورفض المعلومة التي لا تستقيم مع العقل والمنطق والتجربة، إضافة إلى أثرها المتنامي في أداء الأفراد في سوق العمل”.
بيد أن الوزير نبه الجميع إلى أن تحقيق “التعليم المعتمد على الكفايات” ليس بالأمر السهل أو الهين، الذي يمكن أن يتحقق بقرار على الورق، أو بتعميم على المعلمين والمعلمات، وإنما يحتاج إلى جهود مضنية، تعيد صياغة الكثير من الآليات القديمة، حيث أكد أن تغيير فلسفة التعليم والتعلم في المدارس يتطلب جهداً كبيراً؛ لأن طبيعة البرامج التي أسهمت في تأهيل المعلمين كانت في غالبها تسير وفق نمطية تقليدية، تهتم بالشرح والإيضاح وتضع المعلم في منطقة المركز من العملية التعليمية، وتعتبر الطلاب جميعهم متماثلين في القدرات العقلية والذهنية والسلوكية، ولهذا يتم تقويم تحصيلهم على معيار محدد في الاختبارات، فمن يتجاوز هذا المعيار يحصل على بطاقة الإنجاز والنجاح، مشيراً إلى أن مفهوم التعليم المعتمد على “الكفايات” يقر بأن لكل طالب قدراته الخاصة وإمكاناته العقلية المختلفة ولكل طالب طريقته الخاصة في التعلم، وبالتالي فإن تطوير قدرة المعلم ليتعامل بشكل صحيح مع هذه الاختلافات مطلب أساس لنجاح عملية التعليم والتعلم.
صراحة الدكتور “العيسى” وشفافيته، بلغت حداً كبيراً، عندما أقر مرة ثانية، بأن هناك موضوعات أو مناهج، لا تشجع ولا تحفز على التعاطي بين الطالب والمنهج الدراسي، بل على العكس تنفره، واستشهد الوزير على ذلك بمادة اللغة العربية “لغتي” للصف الثالث الابتدائي، قائلاً: “فبعد أن يقرأ الطالب نصاً عن “البحار” أحمد بن ماجد، تأتي الأسئلة المباشرة التي لا تحفز لدى الطلاب سوى مستوى محدود من التفكير مثل: بم اشتهر أحمد بن ماجد؟ وأين عاش ابن ماجد؟ وما هو اللقب الذي اشتهر به؟ وغيرها من الأسئلة المباشرة، بينما يمكن للمعلم في طريقة التعلم المعتمد على “الكفايات” أن يستعين بمقطع فيديو لرحلة بحرية، وينشط حواراً بين الطلاب حول صعوبات العمل في البحار والمخاطر التي يتحملها البحّارون في عملهم، مع إجراء مقارنات بين العمل في البحر في زمان أحمد بن ماجد وزماننا هذا، وبعد ذلك يطلب من كل طالب أن يعيد كتابة النص بطريقته الخاصة مع رسم بحر هائج بالأمواج، ويقوم المعلم بمساعدة الطلاب الذين يجدون صعوبة في الكتابة ببعض الجمل المحفزة لهم”.
وعاد “العيسى” ليوضح أن عملية التحول إلى التعليم المعتمد على “الكفايات” تتطلب جهداً مشتركاً بين عناصر العملية التعليمية كافة، كما أنها تتطلب وقتاً أطول من كل مشاريع التحول الأخرى”، مشيراً إلى أنه سيتم الاستفادة مِن الخبرات الدولية التي مرت بتجارب مماثلة، وترشيح فريق عمل من الخبراء من جامعة “ملبورن” الأسترالية بقيادة البروفيسور “باتريك قريفن”.