د . السديري: أحكام الشريعة الإسلامية تَكْفُلُ للمجتمع السلامة والأمن والاستقرار والازدهار
شارك معالي نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري اليوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر جمادى الأولى 1439هــ في ندوة (دور العلماء والدعاة في التعايش المجتمعي), التي نظمها المهرجان الوطني للتراث والثقافة “الجنادرية 32” ضمن فعالياته الثقافية بالتعاون مع جامعة الملك سعود، في القاعة الكبرى بكلية التربية بالرياض.
وفي بداية مشاركته في الندوة، أكد معاليه أهمية موضوع تعزيز التعايش المجتمعي، لاسيما في هذا الوقت الذي أصبح واقعا لابد منه ، وقال : إن الشريعة الإلهية جاءت بتشريع الأوامر التي تحمي أمن الوطن ، وتنهى عن كل سبب يؤدي إلى اضطرابه واختلاله .. وحديثنا اليوم تنبع أهميته من كونه يناقش موضوعًا من الموضوعات المهمة التي تتعلق بأمن الناس وباستقرار حياتهم في معاشهم ومدى حاجتهم إلى التعايش الذي يحقِّق لهم مصالح الحياة ويجنبهم مفاسد التصعيد الطائفي ومفاسد التعصب بكافة أشكاله.
وأوضح معاليه أن الحديث عن مثل هذا الموضوع في هذا الوقت خاصةً مطلبٌ ملحٌّ لمجموعة من الأسباب: الأول: أن العلماء هم ورثة الأنبياء والدعاة يقومون بوظيفة رسل الله ــ عليهم الصلاة والسلام ــ في إبلاغ دين الله ورسالة التوحيد، والثاني أهمية بيان العَلاقة مع المخالف فقد ظهر بين الناس طرفا الأمور في تلك العلاقة إما إفراط وإما تفريط وبيان سماحة الإسلام ورحمته في تشريعاته وإرادته الخير للناس بتشريع الأحكام التي تَكْفُلُ للمجتمع السلامة والأمن والاستقرار والازدهار، والثالث وجود الاختلاف في المذهب والطائفة في غالب بلاد المسلمين اليوم .
وواصل معاليه قائلاً: السبب الرابع هناك بعض العمومية في أحكام العَلاقة بالمخالف وربما صورها البعض ببعض المواقف الانفعالية غير المؤصلة شرعا،والخامس: استخدام البعض لألفاظ ذات دلالات فضفاضة تخلط الأمور وتمزُج المفاهيم مزجًا مخالفًا لما دل عليه الكتاب ودلت عليه السنة بفهم السلف، والسادس: قلة من تناول أحكام التعايش مع أهل الاهواء وإن تناثرت بعض المسائل هنا وهناك.
وعرف معاليه التعايش بأنه: ((اتفاق بين أطراف مختلفة دينياً أو مذهبياً على حسن المعاملة والعيش بصورة ملائمة وَفْقَ قواعد محددة بهدف تنمية المجتمع وتحقيق أمنه مع احتفاظ كلٍّ بخصوصيته))، مؤكدًا أن هذا النوع من التعايش تفرضه طبيعة العَلاقة بين البشر ويفرضه تقاطع المصالح ولا يلتبس بأمر الاعتقاد والدين ولا يلتبس كذلك بموضوع الولاء والبراء فهذا أمر آخر لا عَلاقة له بمعنى التعايش الصحيح إنما المقصود التعايش من خلال المعاملات والعَلاقات التي تجري بين البشر بحكم ضرورة الحياة والعيش معًا، فإن استقامة الحياة الدنيا وسعادتها لا تحصل إلا إذا كان الإنسان آمناً على نفسه مرتاح القلب هادئ النفس لا يخاف من وقوع مكروه يهدد أمنه أو ينتقص دينه أو ينتهك حرماته أو يستلب خيراته أو يفرض عليه ما يتعارض مع دينه وثقافته من أفكار ومذاهب وأخلاق.
وأبان معاليه بعض الثوابت التي تغيب أحيانا عن بعض المتحدثين في موضوع التعايش وأحياناً أخر يظن البعض أنها تعارض مبدأ التعايش وأهم هذه الثوابت أن تعايشك مع الآخر لا يعني تنازلَك عما تعتقد أنه الحق فالحق واحد لا يتعدد هذا أولا وإن الدين الحق ودين الأنبياء كلِّهم هو الإسلام وإن شريعة الإسلام هي الشريعة الخاتمة لكل الشرائع، هذه الثوابت كلُّها لا تتعارض مع حسن المعاملة والتعايش المجتمعي وقد بين ذلك ربنا ــ جل وعلا ــ بقوله: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
ثم تحدث معالي الدكتور توفيق السديري عن معززات التعايش بين أفراد المجتمع ودور العلماء فيه، وقال: المعزز الأول: الأمر بحفظ الحقوق وأدائها إلى أهلها فأداء المسلم للحقوق التي عليه لأهلها بمراقبة الله سبحانه وتعالى والتعبد له سبحانه من أعظم ما جاءت به الشريعة الثاني: تعزيز حب الوطن والانتماء إليه فهما حاجة من الحاجات المهمة التي تُشعر المواطن بمكانة وطنه، الثالث: الدعوة إلى مشاركة الفرد مع مجتمعه مشاركة إيجابية والرابع: بيان أهمية العدل مع المخالف قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} الخامس: تعزيز ثقافة الحوار. السادس: دعوة الناس إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، السابع: دعوة الناس إلى لزوم هدي النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ. الثامن: التأكيد على لزوم الجماعة التاسع: بيان وجوب طاعة ولي الأمر. العاشر: بيان مواقف السلف مع المخالفين.
بعد ذلك تناول معاليه مهددات التعايش المجتمعي وقال : من أهمها : إذكاء الصراعات الطائفية داخل الدولة. الثاني: الجهل بهدي النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ في التعامل مع المخالف، والثالث: الشذوذ عن جماعة المسلمين ، والرابع: العزلة الفكرية ، والخامس: ظهور بدعة التطرف والغلو في الأمة، والسادس: عصيان الله تعالى ورسوله ومعصية ولاة الأمر. السابع: الغلو في التكفير والتبديع ، الثامن: العصبية القبلية ، التاسع: المناطقية فكل الدعوات التي تدعو إلى غير الانتماء للوطن سواء كانت عصبية أو مناطقية ، المهدد العاشر: الاعتداء على المستأمنين والمعاهدين.
وكان فضيلة الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله التخيفي رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود قد أدار الندوة ، فيما قدمها الدكتور أحمد بن عبدالله الحسين المستشار بوزارة الحرس الوطني، وشارك فيها ــ إضافة إلى معالي الدكتور توفيق السديري ــ كل من فضيلة الدكتور أحمد بن عثمان المزيد عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، وفضيلة الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز العنقري عضو هيئة التدريس السابق بالجامعة.