مشورة: عندما يصبح المحتوى حياةً تُروى وتُغيّر

في زمنٍ مزدحم بالمحتوى السريع، وتطغى فيه التسلية على المعرفة الجادة ، خرج برنامج مشورة ليعبر جسور العلاقة بين الإعلام والتعليم، ويعبر عن حالة من التوازن بين الفكرة العميقة، والبساطة في الطرح، والاحترافية في الإنتاج.
هو ليس مجرد برنامج تلفزيوني يُبث على شاشة التلفزيون السعودي ومنصة شاهد ويوتيوب، بل مشروع معرفي وإنساني ممتد نسعى أن يكون مرجعا معرفيا ليس له تاريخ صلاحية
، ونموذج جديد من نماذج صناعة المحتوى العربي المستدام.
منصة إعلامية معرفية: صناعة محتوى يغير في الإنسان
مشورة هو برنامج من 30 حلقة، كل حلقة منها أعدت بشكل بنائي تلبس عباءة الورش المعرفية المكثفة، وتتناول مفاهيم مركزية في حياة الإنسان اليوم: من فهم الذات، إلى صناعة القرار الشخصي ، ومن العلاقات الإنسانية إلى فلسفة العيش بوعي.
ومع ذلك، لا يقدم البرنامج نفسه كمنصة عاطفية أو تعليمية تقليدية، بل يستخدم أسلوباً حوارياً بسيطاً، ولغة قريبة من القلب، تجعله جذاباً لجمهور واسع، من مختلف الفئات العمرية والثقافية.
وقد صُمّم البرنامج ليكون سهل الوصول ومفتوح المصدر للجمهور عبر عدة منصات:
• التلفزيون السعودي الرسمي كمنصة وطنية رائدة و موثوقة تخاطب الجميع.
• منصة شاهد الرقمية، للوصول إلى جمهور المنصات الحديثة.
• قناة يوتيوب لمنح الحلقات حياة رقمية طويلة المدى، يمكن العودة إليها مراراً.
رسالة البرنامج: من المشورة الفردية إلى المنفعة الجماعية ومن الحل المباشر إلى المنهج المتكامل
اختار البرنامج عنوانه بعناية. فكلمة مشورة في الثقافة العربية ليست مجرد “رأي”، بل هي صيغة من التعاون، وطلب للحكمة، والاعتراف بأننا كبشر لا نعيش بمعزل عن بعضنا البعض. ومن هنا، يقدم البرنامج حلقاته وكأنها جلسات صادقة بين الإنسان ونفسه، مدفوعة بخبرة مقدمه ومدربه ياسر الحزيمي، الذي يعرف كيف يبسط الأفكار العميقة بلغة يفهمها الجميع.
ياسر الحزيمي: “هذا البرنامج هو دعوة لحياة أوعى”
في تصريح له، قال الحزيمي:
“كل فكرة في البرنامج هي ثمرة لتجربة إنسانية عشتها أو لمست أثرها في الآخرين عبر ٢٣ سنة قضيتها بين أروقة التجارب البشرية وممرات القصص الإنسانية ورفوف الكتب العلمية . أردنا أن نقدم للناس شيئاً يبقى معهم، لا شيئاً ينتهي بمجرد انتهاء الحلقة. مشورة ليس فقط ما أقوله، بل كيف يصل إلى الناس ويغير فيهم
هذا البرنامج دعوة لحياة أوعى، أكثر توازناً، وأعمق إنسانية.”
ويضيف:
“أنا أؤمن أن الكلمة التي تنطلق من الموروث تؤثر بلا ترجمان وأن المشهد الصادق يبقى. ومن هنا، حرصنا على أن تكون كل حلقة لبنة في مشروع وعي طويل المدى يجمع بين الأصالة والحداثة يعتمد على التأثير لا الإثارة ”
الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون: صناعة محتوى يُراكم القيمة
يأتي دعم الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لهذا البرنامج كامتداد لإيمانها العميق بأن الإعلام ليس مجرد وسيلة نقل، بل أداة بناء. وقد مثّل مشورة نموذجاً حقيقياً لهذا التوجّه، حيث يتداخل في إنتاجه البعد التعليمي، والعمق الاجتماعي، والجودة البصرية و القواعد النفسية
إن صناعة محتوى مثل مشورة تُظهر كيف يمكن للهيئات الرسمية أن تتبنى مشاريع تُنتج أثراً طويل الأمد، وتراكم قيمة معرفية ومجتمعية، بدلاً من الاكتفاء بالمحتوى الاستهلاكي المؤقت ليجمع الانتفاع والاستمتاع
الإخراج: مشهد يخدم الفكرة لا يستعرضها
المخرج عبادة الحمامي أدار رؤية البرنامج البصرية بأسلوب بسيط وعميق في آن واحد قلما يجتمع، حيث يقول:
“التحدي الكبير كان أن نصور المعرفة بشكل لا يفقد بريقه البصري. استخدمنا الإضاءة، الكاميرا، الموسيقى، وحتى الصمت، كأدوات تخدم الفكرة، لا تتغلب عليها. لم نرد أن ننبهر بالإخراج، بل أن نخدم الرسالة.”
البساطة البصرية الخادعة
يتميز البرنامج بإخراج يعتمد على مشاهد هادئة، محادثات أمام الكاميرا، وإيقاع بصري يركز على إيصال المعنى، دون بهرجة. هذه “البساطة الخادعة ” هي ما جعلت الجمهور يلتفت إلى المضمون أكثر من الشكل، ويعيش التجربة كأنها جلسة شخصية، لا مجرد عرض تلفزيوني.
إنتاج يؤمن بالفكرة قبل السوق
المنتج التنفيذي للبرنامج معاذ الحمامي، أحد رواد المحتوى المستدام في المنطقة، يرى أن مشورة هو استثمار في الإنسان لا في الأرقام، حيث قال:
“في أوج أستوديوز ، نؤمن أن القيمة الحقيقية للمحتوى ليست في عدد المشاهدات الفورية، بل في أثره التراكمي في وعي الناس. مشورة مشروع فيه قلب وعقل. فيه صدق التجربة، وعمق الرؤية. هذا النوع من الإنتاج هو الذي نؤمن به، ونعمل على ترسيخه.”
ويضيف:
“هذه ليست أول تجربة لنا في المحتوى المستدام، لكنها بالتأكيد من أكثرها تأثيراً. نعتقد أن هذا النموذج يجب أن يتكرر، لأنه يصنع فرقاً حقيقياً في المجتمع.”
المحتوى المستدام: التحدي الكبير
يواجه صانعو المحتوى المستدام تحدياً دائماً: كيف تقنع الجمهور بمحتوى لا يرتكز على التسلية فقط ؟ وكيف تسوّق لبرنامج لا يُعتمد على الجدل ولا الإثارة ؟ والجواب جاء في مشورة: بالإخلاص للفكرة، والإيمان بأهمية الإنسان وقيمته في وطنه ومجتمعه
فالمحتوى المستدام هو الذي لا يفنى بعد المشاهدة، بل يتحول إلى معرفة تعيش في عقول الناس. ومشورة هو أحد تلك النماذج النادرة التي تحقق هذه المعادلة الصعبة.
الخلاصة: مشورة… وثيقة وعي، وصوتٌ لا يُنسى
قد لا تكون البرامج الهادئة هي الأكثر صخباً في عالم الإعلام، لكنها في العادة الأكثر بقاء. مشورة هو برنامج سيبقى شاهداً على أن الإعلام العربي يمكن أن يكون إنسانياً، تعليمياً، عميقاً، وبصرياً في الوقت نفسه.
هو حالة إعلامية تستحق الدراسة، ومشروع وعي جماعي يجب أن يُحتفى به، لا فقط كمحتوى، بل كفكر، ورسالة، وأثر.