أخبار

الإبل في “لغة الضاد”: مُلهمة الشعراء .. وعزّ العرب في الأفراح والأتراح

مكانة مرموقة احتلتها الإبل في نفوس العرب، لا تضاهيها منزلة أي شيء آخر، ولا أدل على ذلك من أنها كانت تُسَمّى بالمال، فكلمة المال إذا أُطْلِقَتْ في كلام العرب أريد بها الإبل، وهي التي وصفها العرب بقولهم”إذا حملت ثقلت، وإذا مشت أبعدت، وإذا نحرت أشبعت، وإذا حلبت روت.”
وتغني بحبها وجمالها جُلّ شعراء الصحراء، كما إنه ليس هناك منظر جمالي في الدنيا يعدل في نظر عرب البوادي من أنْ يروا إبلهم تتبختر أمامهم جايبةً البوادي والصحاري بكل شموخ، وزهو، وعلو، كيف لا وهي عشقهم الأصيل، وجزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية، لذلك اختاروا لها في لغتهم المبدعة (لغة الضاد)، أجمل الأسماء، وأبلغ الأوصاف .
وكان الجمل للأعرابي قديمًا موضعَ القصيدة والحكاية بجَلَده، وصبره، يُضْرَبُ المثل، وكان ملهمًا للشعراء في القدرة على الحركة وسط الظروف الصعبة، والصبر على الجوع والعطش، لقد كان أيضًا رفيق الدروب الصعبة، ومشوار الحياة القاسية، وكان الأنيس والجليس، ومصدر الرزق، ووسيلة المواصلات، وعتاد الحرب.
وقد أبدع العرب في تسمية الإبل رابطين ذلك بعمرها وبيئتها منذ ولادتها حتى شيخوختها فولد الناقة حين يسل من أمه يسمى (سليل) ثم (سقب) و (حوار) وهو (فصيل) أو (فطيم) إذا فصل عن أمه وفى الثانية (ابن مخاض)؛ لأنَّ أمه تلقح فتلحق بالمخاض، وهى الحوامل، والأنثى (بنت مخاض) فإذا دخل في السنة الثالثة فهو (ابن لبون) والأنثى (بنت لبون)؛ لأنَّ أمه صارتْ ذات لبن، وفي السنة الرابعة (حق)؛ لأنه استحق أن يُحمل عليه، وفي السنة الخامسة (جذع)، وفى السادسة (ثنى)، وفي السابعة (رباع)، وفي الثامنة (سديس) و (سدس) للذكر والأنثى، وفي التاسعة (بازل)، ثم هو بعدها بسنة (مخلف عام) و (بازل عام)، ثم (مخلف عاميني) و (بازل عاميني)، ثم يعود أي يصير عودًا وهرمًا وماحًا. قالوا: والقلوص منها كالجارية من الناس، والقعود كالغلام، والجمع قلائص وقعدان . والبكر الفتى، والأنثى بكرة، وقيل: جمل راش، وناقة راشة ورياش إذا كثر الشعر في آذانهما.
وهي المطية، فإذا اختارها الرجل لمركبه لتمام خلقها ونجابتها فهى راحلة، فإذا استظهر صاحبها وحمل عليها فهي زاملة، والناس يقولون في الرجل العاقل الثابت في أموره: (رجل زاملة) يريدون مدحه، فإذا وجهها مع قوم ليختاروا عليها فهي عليقه: وتدل بعض أسماء الإبل على صفة فيها فهم يقولون (كهاة) و (جلالة) وهى العظيمة و (عطموس) والعيطموس و (دعبلة) وهى الحسنة الخلقة التامة الجسم و(كوماء) وهى الطويلة السنام، و (وجناء) وهى الشديدة القوية اللحم.
وكيف لا تحتل الإبل هذه المكانة، ولا تتبوأ هذه المنزلة، وحتى وقت قريب كانوا يقيسون عز القبيلة وقوتها بعدد الإبل التي تمتلكها، فكلما كثر عددها أصبح للقبيلة شأن أكبر، وكانت في الوقت نفسه ثمنًا للأفراح والأتراح، فمهر العروس من النياق، وكلما زاد عدد النوق زاد قدر العروس، وقصة عبلة مشهورة ومعروفة للجميع، حين اشترط والدها على عنترة مئة من النوق المغاتير.
وكانت الإبل في الأتراح ثمنًا لوقوف الدم وتدفع ديةً للقتل الخطأ غير المقصود، حسب ما يقرره عقلاء القوم، أو حسب ما اتفق عليه الجميع وقتها.
وكانت الإبل رفيقةً للإنسان العربي منذ القدم، فهي سفينته عبر الصحراء، وقد طوى على ظهرها الفيافي والقفار، وأدلج الأصقاع والأمصار، وهي شريان حياته النابض في مواصلاته وتنقلاته، فنجدها طوع أمره، يوجهها بصوته كيف يشاء، ويطربها بغنائه إن غنى، ويجذبها بصوت حدائه، تستجيب لندائه فرحةً مسرورةً، إذا صاح راعي الإبل تجمعت حوله أقاصي مرعاها، وكأنه ينادي جنودًا طيعين، وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم فتنتظر أوامره وتوجيهاته.
ورد في (لسان العرب)” (أنَّ (الإبل) لا واحد لها من لفظها، وقال الجوهري: هي مؤنثة؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين، فالتأنيث لها لازم ، وإذا أدخلت عليها التاء بقصد التصغير، فنقول: (أبيلة) وهو أقل ما يقع عليه اسم الإبل الهرمة، وهى التي جاوزتْ الذود إلى الثلاثين، ثم الهجمة، أولها الأربعون إلى ما زادت ثم هنيدة : مئة من الإبل ، وتأبل إبلًا اتخذها)
والإبل (ناقة وجمل) أما الناقة فهي الأنثى من الإبل وجمعها نوق، وأنيق، ونياق، ويقال لها: بنت الفحل وبنت الفلاة وبنت النجائب، وكنيتها أم بو، وأم حائل وأم حوراء، وأم السقب وأم مسعود . أما الجمل فهو من الإبل بمنزلة الرجل يختص بالذكر، وجمعه جمال وأجمال وأجمل وجماله وكنيته أبو أيوب وأبو صفوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى