أخبار هامة

الإمارات العربية المتحدة وروسيا : سياسة اقتصادية تحت المجهر

بينما يواصل العالم البحث عن طرق لمواجهة التحدي المستمر الذي تشكله روسيا على المعايير الدولية، يلعب دور الإمارات العربية المتحدة السري في تقديم شريان اقتصادي لموسكو دورا هاما في إعادة تشكيل هذه الجهود، وقد يقول البعض إنه يقوضها، وبتكلفة بلغت 34 مليار دولار أمريكي في عام 2023 وحده، فإن العقوبات المفروضة على روسيا تضرب اقتصاد البلاد بشدة، وقد تم فرض الغالبية العظمى من هذه العقوبات ضد الشركات والأفراد الروس من قبل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد تم تجميد احتياطيات العملة الأجنبية الروسية، وحظر تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن استخدامها في إنتاج الأسلحة، ومصادرة ممتلكات الأثرياء المؤثرين في محاولة لتدمير قدرة روسيا على مواصلة حربها ضد أوكرانيا، ومع ذلك، فإن العقوبات القائمة على الكيانات الروسية تتعرض للعرقلة من قبل الدول التي توفر بيئة اقتصادية تسمح بالتحايل على هذه العقوبات مثل الإمارات العربية المتحدة.

خذ على سبيل المثال شركة الشحن “فراغتال مارين دي إم سي سي” التي تتخذ من دبي مقراً لها، عندما فرضت مجموعة من الدول الغربية سقوفاً على أسعار النفط الروسي في أوائل عام 2022، بدأت هذه الشركة في النمو بسرعة.

وعلى الرغم من ادعاءاتها بأنها تعمل دائماً ضمن هذه اللوائح، إلا أن هناك اتهامات ضد “فراغتال مارين” تتعلق بتجارة النفط الخام الروسي في السوق الدولية بأسعار أعلى من المسموح بها، وفي أعقاب هذه الاتهامات، فرضت الحكومات الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات على فراغتال مارين”، وعندما أصابت حزمة العقوبات هدفها المقصود، فقدت “فراغتال مارين” معظم أعمالها بسرعة كما اكتسبتها في عام 2022، وفي أوائل عام 2024 استمرت محاولات محاميي “فراغتال” اليائسة بشكل متزايد لرفع العقوبات المفروضة عليهم في ا المحاكم البريطانية دون أي نجاح.

إن “فراغتال مارين” ليست مثالاً منفرداً، بل هي جزء من نمط واسع النطاق يتجاوز حدود الإمارات، كما يتضح من شركة التجارة “باراماونت إنرجي آند كوموديتز إس إيه” التي تتخذ من جنيف مقراً لها، بعد العقوبات المفروضة على روسيا في عام 2022، والتي أيدتها سويسرا أمر مؤسس الشركة نيلز تروست” بنقل أنشطة تجارة النفط الروسي للشركة إلى شركة فرعية جديدة مقرها دبي تدعى “باراماونت دي إم سي سي” تحت إدارة شريكه “فرانسوا إدوارد مورون”، وهذا ما أتاح لشركة “باراماونت” الاستمرار في تجارة النفط الروسي عبر الإمارات، حيث ظلت السياسات الاقتصادية للأخيرة متساهلة في التجارة مع روسيا، ما تبع ذلك كان عقوبات بريطانية على “باراماونت إنرجي” في أواخر عام 2023 تلتها إجراءات إضافية ضد “تروست” نفسه و”فرانسوا إدوارد مورون” في خطوة غير مسبوقة ضد أفراد غير روس. 

وقد وفر لكل من نيلز” تروست” و”فرانسوا إدوارد مورون” ملاذاً في دبي، ويخاطر كلاهما الآن بفرض عقوبات أمريكية، مما دفع “تروست” لتوظيف مساعد سابق للرئيس الأمريكي “بايدن”، “أنكيت ديساي”، لمنع حدوث هذا الاحتمال، وفقًا لما ذكرته صحيفة “فاينانشال تایمز” الآخرون المعنيون، بما في ذلك “روبن لويزيير” الذي يعمل كواجهة للعديد من شركات “تروست”، و”موريس تايلور” المصرفي السويسري السابق الذي يعمل كممول لشركات “تروست” عبر خدماته في “إم إف تي” ، يواجهون مخاطرة مماثلة، حيث تم تنبيه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي إلى مصالح “تروست” التجارية في الولايات المتحدة.

هذه مجرد أمثلة على شركات التجارة التي تعمل كأسطول ظل لموسكو، حيث تتحرك بمهارة لنقل النفط الروسي حول العالم. ويقدر أن هذا الأسطول يتكون من 600 ناقلة، كلها تقريباً قديمة وتفتقر للصيانة. وتعد الأهمية الاقتصادية لهذا الأسطول المظلم لروسيا هائلة، حيث يتم شحن ما يقرب من 3.8 مليون برميل من النفط الخام والمكرر من روسيا يومياً في أوائل عام 2024، ومن الوجهات الشائعة لهذا النفط الإمارات، التي لا تزال واحدة من مجموعة محددة من الدول على مستوى العالم التي يتم فيها “غسيل النفط، حيث يتم بيع النفط الروسي لطرف ثالث على أنه غير روسي، ويظهر ذلك أن الإمارات تلعب دوراً رئيسياً في تمكين الدولة الروسية من مواصلة التجارة، ولرجال الأعمال المتعاطفين مع موسكو من الاستمرار في كسب الأموال بحسب التقارير تصل إلى 20 مليون دولار أمريكي للشحنة الواحدة)، والكثير منها يتدفق عائداً إلى موسكو. وقد تم اتهام أرباح “تروست”، الشريك المقرب من الرجل القوي في روسيا جينادي” تيمتشينكو”، بمساعدة فاغنر” ، مجموعة المرتزقة الروسية المسؤولة عن العديد من الجرائم حول العالم.

بالرغم من التزام الإمارات الرسمي بالعقوبات الرئيسية ضد الأثرياء الروس إلا أن الواقع يظهر أن مجموعة من رجال الأعمال الأثرياء والمؤثرين قد قاموا بنقل أصولهم الفاخرة (بما في ذلك الطائرات الخاصة واليخوت الفاخرة) إلى الإمارات، حيث يسمح لهم عدم التزام الدولة بالعقوبات بمواصلة ممارسة نفوذهم والعيش بأنماط حياة فاخرة.

ورداً على الانتقادات الغربية، صرح رئيس منطقة التجارة الحرة في مركز دبي للسلع المتعددة “حمد بوعميم” مؤخراً بأن الإمارات لا تؤمن بفعالية العقوبات، وقال إنه حتى بعد فرض العقوبات “تستمر التجارة في التدفق، لكنها تتدفق بطرق مختلفة”، وأن “العقوبات تبطئ الاقتصاد، لكنها لا توقفه”، وبالمثل، أكد وزير التجارة الإماراتي الزيودي” في أكتوبر الماضي، في أعقاب تصاعد النزاع بين حماس وإسرائيل، أن “نحن لا نخلط الاقتصاد والتجارة بالسياسة”، وتظهر هذه التصريحات أن موقف الإمارات تجاه الحرب في أوكرانيا تقوده مصالح اقتصادية بالدرجة الأولى، مما يثير استياء القادة الغربيين. يثبت ذلك أن دور الإمارات في تسهيل التحايل على العقوبات ضد روسيا يمكن إرجاعه إلى سياسات متساهلة بدلاً من خطأ عرضي.

أن اتخاذ هذا الموقف سيلحق ضرراً كبيراً باقتصاد الإمارات ومكانتها الدولية على المدى الطويل. وبعد أن حذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حذوها، انضم الاتحاد الأوروبي مؤخراً بفرض عقوبات على شركات محددة مقرها الإمارات، مع الوعد الصريح بمواصلة هذه العقوبات حتى يتم محاسبة “الأفراد والكيانات في الدول الثالثة.

لدورهم في تسهيل العدوان الروسي في أوكرانيا، إذا فشلت السلطات الإماراتية في الرد على هذه الإشارات القوية، فإنها ستفتح اقتصاد البلاد لعقوبات ثانوية مثل حظر الصادرات إلى الإمارات وحظر شركات إضافية مقرها الإمارات، علاوة على ذلك، مع اعتبار الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية، فإن الإمارات تبقى تحت رحمة الولايات المتحدة للوصول إلى الاحتياطيات المالية وبالتالي إلى التجارة الدولية.

بينما تسعى الإمارات لتعزيز وضعها كقوة اقتصادية وسياسية، يبقى الغرب شريكا حيويا، من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن التجارة بين الإمارات والدول الغربية تفوق بكثير التجارة الثنائية بين الإمارات وروسيا جيوسياسياً، سترغب الدولة الخليجية في الحفاظ على شراكة وثيقة مع الولايات المتحدة، حيث تواصل الأخيرة تقديم الحماية ضد التهديدات الإقليمية، خاصة من إيران، إن استمرار دورها في تسهيل التحايل على العقوبات المفروضة من الغرب على روسيا سيضع ضغطاً هائلاً على هذه العلاقات، لذلك ومن أجل مصلحتها الاقتصادية والجيوسياسية، يجب على السلطات الإماراتية إعادة تقييم موقفها في هذه المسألة، لأنه سيتنبأ بمكانة الدولة الخليجية في الشؤون العالمية في المستقبل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى