الوجود التركي في إفريقيا.. تقاطع مصالح مع إيران وتوازنات خطرة على الأمن السعودي والعربي
حذَّر “مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية” من خطورة توجُّه تركيا وإيران نحو إفريقيا، والتنسيق فيما بينهما؛ لما يمثله هذا التوجه في مرحلة ما من مصدر تهديد بالنسبة إلى المصالح العربية والخليجية، ولاسيما أن البلدين يركزان حضورهما على الساحة الإفريقية على خطوط التماس مع شبه الجزيرة العربية، وبالقرب من الممرات البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لدول الخليج ومصر في حوض البحر الأحمر وبحر العرب.
وسلط المركز الضوء على التوجهات التركية نحو إفريقيا، ومدى تقاطع المصالح التركية والإيرانية على هذه الساحة، وانعكاسات ذلك على التوازنات الإقليمية، والسياسات المطروحة للحد من خطورة هذه التطورات وتأثيرها على الأمن السعودي والعربي، وذلك من خلال دراسة، نُشرت حديثًا للباحث محمد عبدالقادر خليل، المتخصص في الشؤون التركية.
وقالت الدراسة: إن تركيا خطت خطوات متتالية نحو ترسيخ وجودها متعدد الأشكال والأدوات في القارة الإفريقية انطلاقا من حسابات جيو –استراتيجية، يتداخل فيها البُعد الاقتصادي بالبعد الأمني، في ظل طموح تركي إلى أن تغدو دولة مؤثرة في دوائر متعددة، بما يمنحها عمقًا استراتيجيًّا في إفريقيا، بالتوازي مع الانخراط في التفاعلات الأوروبية، والعمل على توثيق علاقاتها مع القوى الآسيوية.
وأضافت: التوجه التركي نحو إفريقيا جاء بناء على محركات رئيسية، منها أن القارة السمراء تضم نحو 54 دولة، كما أنها تعد ثاني أكبر قارة من حيث المساحة وعدد السكان، وهي أيضًا غنية بالموارد والثروات، فضلاً عما تمتلكه من اقتصادات تعد الأسرع نموًّا، وخصوصًا في منطقة غرب إفريقيا، بما يجعلها قارة جاذبة للاستثمار الأجنبي.
وأردفت: تسعى تركيا إلى مد النفوذ العسكري التركي إلى القرن الإفريقي، وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة؛ إذ وقّعت بالفعل اتفاقيات أمنية مع كل من كينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا؛ لتدريب قوات الأمن في تلك الدول على مكافحة الإرهاب.
وأكدت الدراسة أن التوجه التركي العسكري نحو الصومال، والسودان، وقطر، يعكس الاهتمام المتزايد بأمن الممرات الملاحية، ورغبة تركيا في توسيع نفوذها لتأكيد دورها القيادي في منطقة الشرق الأوسط، بالمقارنة بالفواعل الإقليمية الأخرى، التي تسعى بدورها لإنشاء قواعد عسكرية حول الممرات الحيوية ذاتها.
وبيّنت أن الوجود العسكري التركي في البحر الأحمر قد يشكِّل مصدر تهديد في المستقبل أمام مصالح دول الخليج ومصر، بما يعرقل عملياتها العسكرية في اليمن، وبما قد يحد من تأثيرها إفريقيا، كما أنه قد يتجه للتنسيق مع إيران إذا ما اقتضت مصالحه ذلك، ولاسيما أن هناك بونًا شاسعًا بين وجهة النظر التركية والخليجية حيال إيران.
وأوضحت الدراسة أن تركيا تستهدف تعزيز استثماراتها الخارجية في إفريقيا، وفتح أسواق أمام منتجاتها التي تواجه صعوبات في النفاذ إلى الأسواق الغربية، وتجد رواجًا في الأسواق الناشئة، وهي في ذلك تبتغي حماية مصالحها الاقتصادية. فمن المخطط أن يصل حجم التجارة التركية -الإفريقية إلى نحو 50 مليار دولار بحلول عام 2023م.
وتابعت: بين تركيا وإيران تقاطعات واتفاقات على الساحة الإفريقية؛ فكلتا الدولتين تسعى لتعزيز نفوذها السياسي، وتمددها الاستخباراتي، وحماية مصالحها الاقتصادية، وإيجاد مراكز تدريب، أو قواعد عسكرية على الساحة الإفريقية، تسهم في إعادة خلط المعادلات القائمة، وتعزيز دعم ومساندة الدول الإفريقية لبلدان الجوار للمنطقة العربية، لا للقضايا والمصالح العربية.
واختتمت الدراسة بالقول إن الوجود التركي في إفريقيا في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة يمثل تهديدًا أكثر منه فرصة؛ إذ إن هناك تنسيقًا متعدد الجوانب بين تركيا وإيران على صعيد أكثر من أزمة، كما أن حجم الخلاف بين دول الخليج – وفي مقدمتها السعودية – شاسع، لكنه بين تركيا وإيران ليس بهذا الحجم، ومن ثم فإنه يجب الحذر من احتمال التنسيق بين تركيا وإيران في تلك المنطقة الحيوية بالنسبة إلى الأمن العربي والخليجي، كما حدث في مواجهة الأزمة الخليجية الأخيرة.
يُذكر أن مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية – ومقره الرياض – هو أول مركز إقليمي متخصص في الشأن الإيراني، ومؤسسه د. محمد بن صقر السلمي هو الأستاذ المساعد والباحث في الشؤون الإيرانية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. ويضم المركز نخبة من الباحثين المتخصصين في الدراسات الإيرانية من داخل السعودية وخارجها. وللمركز موقع على الإنترنت، يشتمل على مواد بحثية وإعلامية متخصصة بثلاث لغات، هي: العربية والفارسية والإنجليزية، من إعداد فريق عمل المركز.