“البدر” لن يغيب.. حضر شاعراً رقيقاً بـ”مرتني الدنيا” ورحل شامخاً في “زمان الصمت”
جاء خبر وفاة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن؛ أمس السبت، كالصدمة على الشارعَيْن الخليجي والعربي؛ لما عُرف عن الراحل من ذائقة شعرية وطربية تردد كلماتها الألسن، وأيضاً دوره الكبير في إثراء الوسطَيْن الشعري والفني بمحتوى مرهفٍ وعميق.
رحلة “البدر” الفنية، هي حالة وجدانية، كان فيها الأمير الراحل يترجم مشاعره على الورق؛ لتثمر عن قصائد تتراقص كلماتُها على شفاه مطربين ومطربات؛ بعضهم حصد الشهرة والانتشار، ربما بسبب اقتران أسمائهم “فنياً” باسم “بدر بن عبدالمحسن”، في أعمالٍ تخلدها المكتبة الغنائية في العالم العربي.
وحالة العشق بين مُحبي الفن الغنائي العربي الأصيل، وبين بدر بن عبدالمحسن، لها تاريخٌ طويلٌ، يتجاوز 5 عقود، حَرِصَ فيه الأمير البدر؛ على التمسُّك بحزمة مبادئ لا يحيد عنها، أبرزها كتابة القصيدة بفنيّات عالية، ومشاعر جيّاشة، وثقافة شاملة، تمكّنها من الوصول إلى قلب سامعيها دون استئذانٍ؛ الأمر الذي دفع الفنانين في المملكة والعالم العربي، إلى التسابق من أجل الظفر بقصائده، والتغني بها.
وتضم قائمة الفنانين الذين شدوا بقصائد “البدر”: طلال مداح، محمد عبده، عبادي الجوهر، عبدالمجيد عبدالله، خالد عبدالرحمن، عبدالله الرويشد، نجاة، كاظم الساهر، صابر الرباعي، راشد الماجد، نوال الكويتية، أصالة، ماجد المهندس، عبدالكريم عبد القادر، عبدالمجيد عبدالله، وغيرهم.
واعتاد بدر بن عبدالمحسن؛ أن يكتب الشعر بخلفيةٍ ثقافيةٍ عامة، تعطي للقصائد مدلولاً عميقاً يستشعرهُ المستمع، ويقف أمام شاعرٍ مثقفٍ وكبيرٍ مرهف الحس، يتفاعل مع الأحداث من حوله، ثم يكتب عنها بأسلوبٍ فني مختلف، ويؤكّد هذا المضمون تمكنه -رحمه الله- من الكتابة في الغزل، والفخر، والرثاء، والواقع الاجتماعي والسياسي للمملكة والعالم العربي، بحرفيةٍ عالية، وتشير إلى ذلك -على سبيل المثال- قصيدة “أبعتذر” الغارقة في بحرٍ من الرومانسية، وأضاف إليها فنان العرب محمد عبده؛ جمالاً إضافياً بصوته الشجي، فخرجت الأغنية في صورةٍ إبداعية مُلهمة.
ولا ينسى محبو “البدر”، أشهر قصائده التي تغنّى بها قيثارة الفن السعودي طلال مداح؛ (عطني المحبة، زمان الصمت، صعب السؤال، الموعد الثاني، ياه ويلاه، صوتك يناديني)، والأمر نفسه لقصائد شدا بها فنان العرب محمد عبده؛ (حسايف، أرفض المسافة، الله الأول، خجل، يا غافية قومي، مرتني الدنيا)، وكان من نصيب الفنان عبادي الجوهر؛ قصائد مهمة محفورة في الأذهان (المزهرية، المرايا، قال السراب، ليلهم طال، سوالف رحلتي، ما أبيه، والسهر والخوف)، وغيرها الكثير والكثير.
والأمير بدر؛ زامل بعض الشعراء الكِبار في المملكة، فأثّر فيهم وتأثّر بهم، منهم: محمد العبدالله الفيصل؛ وخالد الفيصل؛ وخالد بن يزيد؛ ومحمد بن أحمد السديري.
ولم يكن لقصائد الأمير بدر بن عبدالمحسن؛ أن تنجح وتصل إلى ما وصلت إليه من شهرةٍ وذيوع، لولا أنه ضمَّنها ثقافات متنوّعة، اكتسبها من بيئات عدة تربى وعاش فيها.
والأمير “البدر”؛ وُلد في الرياض عام 1949م، ودرس مراحله الابتدائية بين المملكة ومصر، والمتوسطة في مدرسة الملكة فكتوريا في الإسكندرية، ودرس المرحلة الثانوية في الرياض، كما درس في بريطانيا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وعُرف على الساحتين السعودية والعربية، بأنه أحد أبرز روّاد الحداثة الشعرية في الجزيرة العربية، له مجهوداتٌ كبيرة في وضع نصوصٍ أدبية ذات مستوى راقٍ، ونال التكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتمّ منحه وشاح الملك عبدالعزيز عام 2019.