نفوذ روسيا المزعزع للاستقرار في الدول النامية: تعزيز صمود الدول الضعيفة
بينما نحيي الذكرى السنوية الثانية للغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا، فمن الضروري أن نلقي نظرة شاملة وندقق في التداعيات الأوسع نطاقا المترتبة على التصرفات الروسية الجارية، وخاصة دورها المزعزع للاستقرار في الدول النامية. وبالرغم من أن الاهتمام العالمي كان يركز بشكل مفهوم على العدوان الروسي في أوروبا الشرقية، فإن نفوذها الخفي في مناطق أبعد لم يحظ بالتقدير الكافي من قِبَل الكثيرين. وبمساعدة الاستراتيجيات المتعددة الأوجه التي تستخدمها روسيا، من حملات التضليل إلى الاستغلال تحت ستار الشراكة، أعْمت روسيا العالم الغربي إلى حد كبير عن العواقب الخطيرة لنشاطها.
وتبقى إحدى أكثر الأدوات خبثًا في ترسانة روسيا، والتي حظيت بقدر متزايد من الاهتمام منذ تدخلها في الانتخابات الأمريكية عام 2016، هي قدرتها المتطورة على نشر المعلومات المضللة. لقد وجدت روسيا أرضاً خصبة لدعايتها في العالم النامي، حيث يتدنى مستوى الثقافة الإعلامية وتضعف المؤسسات، مما يؤدي إلى ميل المواطنين إلى تصديق ما يسمعونه، نظراً لانتشار الأخبار بشكل شفهي. ومن خلال نشر الأكاذيب والتلاعب بالروايات، نجحت روسيا في زرع الارتباك، وتفاقم الانقسامات المجتمعية، وتعزيز مصالحها الاستراتيجية.
لنأخذ على سبيل المثال التدخل الروسي في مناطق الصراع في أفريقيا. تبين في بلدان متنوعة مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا، أن روسيا ووكلائها مسؤولون عن نشر معلومات مضللة لتعزيز الدعم لصالح الجهات الفاعلة في معسكر الكرملين، مما يؤدي إلى إدامة العنف وعرقلة جهود السلام. ومن خلال الترويج للمعلومات المضللة والأكاذيب، دمّرت روسيا كل الاحتمالات المتبقية لتحقيق الاستقرار والتنمية في العديد من الدول التي تعد دولاً هشة بالفعل.
لقد امتد تأثير التضليل الروسي إلى ما هو أبعد من مناطق الصراع. وفي المناطق التي لا تزال فيها ديمقراطيات ناشئة، مثل بلدان أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، تشكل الجهود التي تبذلها روسيا لتقويض الثقة في المؤسسات الديمقراطية والتلاعب بالرأي العام نوعا مختلفا من التهديد. وعلى وجه التحديد، في هذه الديمقراطيات التي لا تزال وليدة، يجب أن يكون هناك قلق حول الطريقة التي تهدد بها الأنشطة الروسية ترسيخ القواعد والقيم الديمقراطية. ومن خلال تآكل الثقة في هياكل الحكم الشرعية القائمة، تواصل روسيا تعزيز بيئة مواتية للاستبداد، وهو ما يتماشى إلى حد كبير مع سياسات موسكو في البلاد.
وعلى الرغم من أن انخراط روسيا مع دول العالم النامي والذي يتنكر في هيئة شراكة إيثارية، إلا أن الفحص الدقيق للموضوع يكشف عن واقع مختلف تماماً. وفي حين تصور روسيا نفسها كحليف يفعل الخير، فإن تصرفاتها تحكي قصة مختلفة ــ قصة الاستغلال والمصلحة الذاتية.
من منظور اقتصادي، تُوصف تعاملات روسيا مع دول العالم النامي في كثير من الأحيان بأنها “علاقات غير متكافئة”، حيث تستخرج روسيا موارد طبيعية قيمة، وتتمكن من الوصول إلى مواقع استراتيجية (كما هو الحال مع حوض شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود)، وتُؤمّن عقوداً مربحة، ولا تقدم في نفس الوقت شيئاً يذكر في المقابل. وقد كانت هذه الديناميكية الاستعمارية الجديدة واضحة في التعامل مع البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك على سبيل المثال فنزويلا، حيث تستغل الشركات الروسية الموارد مقابل قدر ضئيل من الفائدة لصالح سكان البلد المضيف.
علاوة على ذلك، تستغل روسيا أيضاً المعايير الديمقراطية التي تتذرع بها بشكل انتقائي من أجل تعزيز مصالحها الخاصة. وتبقى أحد الأمثلة على ذلك هو دعمها المزعوم للأنظمة الاستبدادية تحت ستار عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهو تكتيك لا يؤدي إلا إلى ترسيخ الأنظمة القمعية المتعاطفة مع أهداف السياسة الخارجية لموسكو وتقويض التطلعات الديمقراطية. ومن خلال دعم القادة الاستبداديين من خلال مبيعات الأسلحة والدعم الدبلوماسي، تعمل روسيا على إدامة دورات القمع وعدم الاستقرار، مما يعيق التقدم نحو الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.
ومع ذلك، فإن استعداد روسيا للجوء إلى العنف عندما تواجه المقاومة هو الجانب الأكثر إثارة للقلق في السياسة الخارجية الروسية. إن غزو أوكرانيا يشكل تذكيراً مروعاً لاستعداد روسيا لاستخدام القوة العسكرية الغاشمة لتحقيق أهدافها، وتجاهل المعايير الدولية مثل الحاجة الأساسية لاحترام سيادة الدولة. وقد كان ضم شبه جزيرة القرم مثالاً آخر من الأمثلة المروعة، حيث ينبئنا بقصص تحذيرية عن المخاطر التي تفرضها طموحات روسيا التوسعية.
ويتطلب معالجة هذا التهديد جهداً دولياً متضافراً لفضح أنشطة روسيا الخبيثة ومواجهتها، وتعزيز قدرة الدول الضعيفة على الصمود، وإعلاء مبادئ السيادة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وبينما نفكر في الأحداث المأساوية التي لا تزال تتكشف في أوكرانيا وخارجها، دعونا نستفد من الدروس التي تعلمناها ونظل يقظين في مواجهة نفوذ روسيا المزعزع للاستقرار.