خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور بندر بليلة المسلمين بتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية والبعد عن معصيته فإنها سبيل النجاة ونيل رضوانه عز وجل.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام إن مِن أعظم ما يسمو إليه العبد، ويَسعى سعيه لنيله: حبُّ الله تعالى له؛ لأنه حُب الخالقِ الملكِ العظيمِ لعبده، ومَن بيده نفعه وضَره، وإحياؤُه وإماتته، وإغناؤُه وإقناؤُه وإنَّ لبلوغ تلك المرتبةِ الكبرى طُرُقًا وأسبابًا، فأولُها وأولاها: الإيمانُ به سبحانه؛ فكلما كان العبدُ أقوى إيمانًا ازداد حُبُّ اللهِ تعالى له.
وتحقيقُ الإيمانِ يكون بالقلب واللسان والجوارح، فتحقيقُهُ بالقلبِ يكون بتصديقِه بالله تعالى، وما يجبُ له وإقرارِه وإذعانِه، وتحقيقُه باللسانِ يكون بالنطقِ بكلمةِ التوحيد، وتحقيقُه بالجوارحِ يكون بالعمل الصالح.
ومن أسباب محبةِ الله لعبده: اتباعُ النبيِّ محمدٍ ﷺ، وقبولُ ما جاء به، والعملُ بسُنتِه، وتجنُّبُ ما يُضادُّها فمن اتبع الرسولَ عليه الصلاةُ والسلامُ أحَبَّه الله، وغفر ذنبَه، ورحِمه وسدَّده في حركاته وسَكَناته.
و بيّن فضيلته أنّ من أسباب محبة الله لعبده: التقرُّبُ له سبحانه بالطاعات، من فرائضَ وواجباتٍ ومُستحبات، قال اللهُ تعالى في الحديث القُدسي: (وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيء أحَبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويدَه التي يبطشُ بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإنْ سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه) أخرجه البخاري.
ورأسُ الطاعات الصلاة، الفريضةُ المعظَّمة، والعبادةُ المقدَّمة، قُرةُ عيونِ المؤمنين، وأُنسُ نفوسِ المتقين، ومُستراحُ أرواحِ العابدين، عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألتُ النبيَّ ﷺ: أيُّ العملِ أحَبُّ إلى الله؟ قال: (الصلاةُ على وقتها) أخرجه البخاريُّ ومسلم، فيا فوزَ مَن أدَّاها وأقامها، ويا خَسارَة مَن قصَّر فيها وضيَّعها!
وقال الدكتور بليلة في خطبته” إذا أحَبَّ اللهُ عبدَه نَشَر له القبول، وأحَلَّه في قلوب أهلِ الأرضِ والسماءِ محبةً ووُدًا، قال النبيُّ ﷺ: (إذا أحَبَّ اللهُ عبدًا نادى جبريل: إن الله يُحب فلانًا فأَحِبَّه، فيحبُّه جبريل، فيُنادي جبريلُ في أهل السماء: إن الله يُحبُّ فلانًا فأحِبُّوه، فيحبُّه أهلُ السماء، ثم يوضعُ له القبولُ في أهل الأرض) أخرجه البخاري ومسلم.
فما أحرانا أن نَتَلمَّس أسبابَ محبةِ اللهِ لنا؛ لننالَ الشرفَ الأسمى، ونكونَ من أوليائه سبحانه وتعالى .
وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور علي الحذيفي المسلمين بتقوى الله قال تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ))
وأضاف فضيلته أن الله تعالى بين أسباب السعادة الدنيوية والأخروية وحذر من أسباب الشقاء رحمة من الله تعالى وفضلاً وإقامة للحجة على الخلق .
وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي بالقول : قد علم ربكم ضرورة حاجتكم إلى ما فيه صلاحكم في دينكم ودنياكم وعلم أن عقول البشر مهما ارتقت وبلغت من التجارب لن تدرك أسباب العادة الدنيوية والأخروية، ولذلك بين لكم أسباب العادة الدنيوية والأخروية للعباد، وحذر العباد من أسباب الشقاء في الدنيا والآخرة؛ رحمة من الرب تبارك وتعالى وفضلًا وإقامة للحجة على الخلق، وإذا كان أكمل الخلق عقلًا وحكمة وفطرة وأكمل الخلق خَلقًا وخُلقًا وسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلم إلا ما علمه الله تعالى، ولم يهتد إلى أسباب السعادة إلا بما أوحاه الله إليه من الكتاب فغيره من الأمة من باب أولى لن يعلم أسباب السعادة الدنيوية والأخروية إلا بما أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)
وأضاف فضيلته : الإنسان مهما بلغ عقله وقوى إدراكه وكثرت تجاربه وطال عمره لا يهتدي إلى سبل السعادة الدنيوية والأخروية إلا بالوحي المنزل على الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولعلم الله عز وجل بعجز الإنسان عن معرفته بتفاصيل الهداية وعجزه عن أسرار الكثير من التشريع الإلهي بين الله تعالى هذه الحقيقة للناس فقال سبحانه: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
وأردف إمام وخطيب المسجد النبوي : قضى ربنا وحكم ووعد بأن السعادة في الحياة بعد الموت وحياة النعيم الأبدية في كلمتين: في الإيمان بكلام الله تعالى وفي العمل بكلام الله، وتاريخ البشرية والرسل عليهم الصلاة والسلام مع أممهم شاهد صدق وناطق بالحقائق التي لا ينكرها أحد على أن السعداء والمفلحين والفائزين والمصلحين للأرض والناجين من خزي الدنيا وعذاب الآخرة والأخيار هم الرسل وأتباعهم الذين آمنوا بكلام الله وعملوا به.
وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي : ألا تحب أيها الإنسان أن تكون معهم، وأول البشر أبونا آدم صلى الله عليه وسلم لم ينل الاصطفاء والهداية التامة بعد الخطيئة إلا بالإيمان بكلام الله تعالى والعمل به قال تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وأكد أن الإيمان بالله وكلامه والعمل به هو الفوز والفلاح وسعادة الدنيا ونعيم الآخرة، ولا يقبل الله طاعة العبد ولا ينجو من النار أحد إلا بالإيمان بكتب الله مع أركان الإيمان، ولا يُصلح الأرض ولا يصلحُ المجتمع إلا كلام الله وتشريعه وإقامة كتابه الذي هو سبب في سعة المعايش والأرزاق.
وقال فضيلته : إن من كمال هذه الشريعة والرحمة فيها أنها تحقق وتلبي حاجات الناس جميعهم بالعدل والوفاء والحق، وترتقي جوانب الحياة إلى أعلى المستويات في كل جانب، وما يكون من نقص عند بعض المسلمين فليس من الشريعة إنما هو من الجهل في التطبيق بقصد أو بدون قصد، ولم تعجز الشريعة الغراء ولن تعجز عن الحكم الشرعي في كل معضلة ونازلة تنزل بالأمة، لأن مصادر التشريع والأحكام ثابتة لا تتغير ولا يدخلها الهوى، فالأحكام الشرعية تؤخذ من كتاب الله فإذا لم يكن الحكم في كتاب الله أُخذ الحكم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأحكام الشرعية تؤخذ من كتاب الله فإذا لم يكن الحكم في كتاب الله أُخذ الحكم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في السنة فيرجع إلى الاجتماع وهو اتفاق العلماء المجتهدين على حكم حادثة، ولا يحل مخالفتهم، والإجماع لا يكون إلا مستندًا إلى نص، فإن لم يكن إجماع فالرجوع إلى القياس الصحيح وهو إلحاق فرع بأصل لعلة تجمع بين الأصل والفرع، وقد عمل بالقياس الصحيح الصحابة ومن بعدهم .
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن الشريعة الإسلامية كاملة تامة ضمنت مصالح الناس الدينية والدنيوية وأنها مبنية على كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، من تمسك بها نجا ومن تخلف عنها هلك وما أشبهها بسفينة نوح عليه الصلاة والسلام، وكما حكم الله بالسعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة لمن آمن بكلام الله وعمل بشريعته كذلك حكم الله وقضى بأن العذاب والشقاء في الدنيا والخلود في النار لمن كذّب بكلام الله وترك العمل به.