مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي يختتم أعمال الدورة الـ 25 المنعقدة في جدة
اختتم مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي أمس, أعمال الدورة الـ 25؛ المنعقدة بمحافظة جدة؛ تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ خلال الفترة من 20 – 23 فبراير الحالي؛ بمشاركة 200 عالم من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي من ذوي الخبرة في مختلف التخصصات الشرعية، والاقتصادية، والطبية، والاجتماعية؛ بحضور معالي رئيس المجمع الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد، ومعالي الأمين العام للمجمع الدكتور قطب مصطفى سانو.
وعكف المشاركون على مناقشة 160 بحثاً علمياً في الموضوعات المختلفة؛ في إطار دراسة النوازل والمستجدات المعاصرة والاجتهاد فيها بهدف بيان الأحكام الشرعية المناسبة لها من خلال إصدار قرارات شرعية تحظى بقبول علماء الأمة في العصر الراهن؛ إلى جانب بحث الدورة عبر جلساتها العلمية عددًا من القضايا المهمة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلَّب معالجة فقهية خاصة، وتقديم الحلول النابعة من التراث الإسلاميِّ والمنفتحة على تطور الفكر الإسلامي.
وأكد المندوب السعودي الدائم لدى منظمة التعاون الإسلامي الدكتور صالح بن حمد السحيباني؛ استمرار المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله – بتقديم كافة أشكال الدعم لجهود المجمع المباركة؛ مشيراً إلى أنَّ هذا الدعم السخي من حكومة المملكة للمجمع يأتي حرصاً منها على أهمية اجتماع كلمة الأمة وتوحيد الصفوف وتكامل جهود العلماء والفقهاء بما يعود بالنفع على الإسلام والمسلمين في مختلف أصقاع المعمورة، واستشعاراً منها لأهمية المجمع وما يضطلع به من أعباء جسيمة وما يمثله من خدمة جليلة للمسلمين في مختلف أنحاء المعمورة في سبيل ترشيد مقارباتهم الفكرية والعلمية والفقهية والتقريب بينهم في هذا الميدان.
ويتطلع السحيباني بأن تجسد نتائج هذه الدورة؛ المنعقدة في ظل ظروف إقليمية ودولية مليئة بالتحديات؛ قدرة الشريعة الغراء على إيجاد الحلول، ومعالجة كافة المسائل المستجدة والنوازل ومشكلات العصر؛ برؤية فقهية نيرة وبطرق خلَّاقة؛ تقوم على الوسطية والاعتدال بحيث تحقق مصالح الناس، وتخدم الأمن والاستقرار في كافة الدول الإسلامية بما يتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، ويحقق التكامل المعرفي بين مختلف علماء المسلمين وفقهائهم في هذا الشأن.
وشدَّد على أنَّ الآمال معقودة على العلماء لعرض الشريعة الإسلامية المسحة عرضاً يخلصها من الشوائب التي ألصقها بها بعض الفئات المتطرفة، ويبرز مزاياها وقيمها النفيسة ويبين قدرتها الفذة على معالجة المشكلات المعاصرة وعلى تحقيقها لسعادة الإنسان وإسعاده في الدنيا الآخرة، ولمواجهة أساليب الإلحاد والانحراف الجديدة التي بدأت تغزو بعض شباب الأمة والنظر في كيفية التعاون مع الثورة التقنية الحديثة.
بدوره أكَّد الأمين العام للغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة الدكتور يوسف خلاوي؛ أنَّ التحديات التي تواجه مجمع الفقه الإسلامي الدولي تحديات كبيرة ومسؤوليتنا جميعاً أن نتحالف لتغطيتها؛ فيما استعرض مقرر الدورة الشيخ الدكتور ثقيل بن ساير زيد الشمري الموضوعات التي ناقشتها الدورة والقرارات الشرعية التي أصدرتها.
وأوضح أنَّ الدورة أصدرت قرار بشأن بيان حكم التعليم بشقيه الديني والدنيوي لكلا الجنسين في الإسلام، وقراراً بشأن أثر جائحة كورونا على أحكام العبادات والأسرة والجنايات، وقراراً بشأن أثر جائحة كورونا على أحكام المعاملات والعقود والالتزامات المالية، وقراراً بشأن فتنة القراءة في الصلاة بغير العربية، وقرار بشأن بيان حكم الصلاة خلف الهاتف والمذياع والتلفاز، وقراراً بشأن أحكام وسائل التواصل الاجتماعي وضوابطها، وغيرها؛ إلى أنَّ الدورة أجلت إصدار قرارات في موضوعات أخرى.
بعد ذلك تلا معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور قطب مصطفى سانو, بيانين لمجلس المجمع؛ حيث عبَّر المجلس في البيان الأول عن تضامنه التام مع شعبي تركيا وسوريا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلدين، داعياً الأمة الإسلامية والمجتمع الإنساني إلى إغاثتهم وتقديم المساعدة التي يحتاجون إليها من خلال الجهات الرسمية والموثوقة.
فيما استنكر المجلس في البيان الثاني ما حدث من حرق نسخ من القرآن الكريم في عدد من الدول، مشدداً على إدانته بأشد العبارات إقدام عدد من المتطرفين في السويد والدنمارك وغيرهما من الدول على حرق نسخ من كتاب الله تعالى تعبيراً عن حقدهم الدفين على دين يدين به ما يقارب من ملياري شخص في العالم، وتأكيداً على تنامي داء الإسلاموفوبيا في الفكر والسلوك.
وجدَّد المجلس التأكيد على أنَّ مثل هذه التصرفات الهوجاء غير المسؤولة، والأفعال الغوغائية لم ولن تنال من حرمة المصحف الشريف؛ مؤكداً أنَّ هذه الأفعال الغوغائية لن تزحزح مكانة القرآن الكريم في قلوب المسلمين وإنما تزيده قوة ومحبة ورسوخاً، داعياً الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية إلى تعزيز التعاون والتنسيق من أجل مواجهة التصرفات غير المسؤولة التي تزدري بالمقدسات والرموز الدينية، والعمل المشترك من أجل إصدار قرارات دولية تجرم تلكم التصرفات الشنيعة بدعوى حرية التعبير وغيرها.
كما دعا المجلس الدول والمنظمات الإسلامية إلى رفع دعاوى قضائية في المحاكم المختصة ضد كل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم ضد الإسلام ونبيه ورموزه.
وقرأ الأمين العام للمجمع برقيتي شكر وتقدير من مجلس مجمع الفقه الإسلامي لخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله -، نظير دعمهما غير المحدود لمؤتمر الدورة الخامسة والعشرين لمجمع الفقه، ودعمهما المتواصل للمجمع فضلاً عن استضافة مقر أمانته العامة في مدينة جدة.
وتضمنت البرقيتان تنويهاً من مجلس المجمع وعلمائه بما يبذله خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – وحكومته الرشيدة من اهتمام كبير بالشؤون الإسلامية، والدفاع عن قضايا الأمة، وخدمة مشرفة للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وعناية فائقة بحجاج بيت الله الحرام؛ مع الإشادة بما تشهده المملكة العربية السعودية من نهضة شاملة في ظل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين والتي ارتقت بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة.
وقرأ الأمين العام برقية شكر وتقدير من مجلس المجمع للأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين أمير منطقة مكة المكرمة نظير رعايته للدورة الخامسة والعشرين لمجلس المجمع، وإنابته صاحب السمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي محافظ جدة لإطلاق أعمالها.
من جانبه، أكد معالي رئيس المجمع الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد في كلمته أن الدورة الخامسة والعشرين انتهت بنتائج وفق المسلك العلمي والنظر الاجتهادي، وهو نظر واجتهاد يقوم على أساس ثابت من البحث العلمي والرصين ومن الحرص على تمكين المسلمين من مواجهة المشكلات المستجدَّة بتقديم الحلول الملائمة النافعة من الشريعة الإسلامية والمتجاوبة مع احتياجات العصر عن طريق الاجتهاد الصريح والأصيل.
وشدد على أنَّ الشريعة الإسلامية لبَّت حاجات الناس في كل زمان ومكان لما فيها من الأصول والقواعد المتسمة بالمرونة والرامية إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، والمأخوذة من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة؛ منوهاً بأنَّ الشريعة الإسلامية لا تزال وستبقى في كامل حيويتها وثرائها وغنائها وهي كفيلة بإسعاد البشرية متى ما وضعت موضع التطبيق.
وشدَّد على أنه بات من الواجب أن يتداعى أرباب الاختصاص على أبواب كنوز الفقه الإسلامي وخزائنه عبر هذا المجمع وأن يعملوا بإقبال وهمة على خدمة أبناء الأمة الإسلامية وعلى خدمة الإنسانية كلها باستخراج المباحث الفقهية التي تتناول حياة الناس وتعالج مشكلاتهم وعرضها في أثواب متجددة وفق المناهج المتبعة في الدراسات العلمية دون تعصب في الرأي أو انتصار لمذهب مع ترجيح الآراء الصالحة لمقتضيات العصر ومتطلبات الحياة وفق الأصول الشرعية وقواعده المرعية في الدلائل والاستدلال.
وأشار إلى أنَّ أهمية الفقه الإسلامي في مجتمعاتنا الإسلامية تتجلى في أنه يتناول بشكل مباشر حياة الفرد والأسرة والمجتمع ويتناول العلاقات مع المجتمعات غير الإسلامية، كما تتجلى كذلك في أنه يعمل على إصدار الفتاوى والبحوث والدراسات المأخوذة من مبادئ الدين الحنيف والمنسجمة مع تطور الحياة.