عام

حوار بيني وبين جدي الثاني عشر

قال لي: أنتم جيل فاشل

قلت له: نحن جيل فاشل!!

نحن أبناء التكنولوجيا والإختراعات والتقدم المهني الماهر،

نحن جيل الإنترنت والجولات وتعدد الإتصالات الحافل،

نحن أبناء الإكتشافات والسيارات والطائرات وارتفاع المباني الباهر.

نحن زمن الكهرباء والليالي الـمُـضيئة،

نحن زمن الطب ومعالجة الأمراض بعقولنا الـمُـنيرة،

نحن زمن التلفاز والفضائيات وتناقل الأخبار في جميع أنحاء العالم بوسائل سريعة،

نحن زمن الشوارع الإسفلتية والطرق الـمُـريحة،

نحن زمن المكيفات والهواء النقي وأجهزة التبريد العجيبة.

لعلك لا تعلم إلى أين وصلنا في عالم المال والبنوك وسلة العملات،

ولعلك لا تعلم أيضاً عن الإكـتـتاب والبورصة وسوق الأسهم والسندات،

أو لعلك لا تعلم عن أجهزة الصراف والفيزا أو عن أي شيء من تقنية البطاقات
.

نحن زمن تنوع المأكولات الشرقية والغربية وجميع الأغذية اللذيذة،

نحن زمن الـمُعلبات والحلويات ومطاعم الوجبات السريعة،

نحن جيل المشروبات الغازية والعصائر الطبيعية ونكهات مُـبتكرة وجديدة.

ماذا دهاك؟؟

أفما زلت مُصراً على أننا جيل فاشل؟!

أم أنك تشعر بالغيرة من خيرات زماننا الوافر!!

أو أنك تود الإنتقام لعصرك الجائر؟!


عزيزي القارئ كانت هذه بداية الخلاف بيني وبين جدي الثاني عشر الذي أطال الله في عمره حتى يومنا هذا؛ فأسكتني قائلاً:

ويحك!!

يا ليتها أخذتني السنين ولم أسمع كلامك الـمُـشين،

يا حفيد أحفادي في زمانكم أصبحت التكنولوجيا والإتصالات ووسائل التواصل؛ ولكن تبددت بينكم مشاعر المودة والحنين،

وأصبحتم تتواصلون مع أبناء أمريكا وبنات الصين،

وانقطعت علاقتكم بإخوانكم وأبنائكم من بنات وبنين.

يا حفيدي إن لم تكن أحصنـتـنا بسرعة سياراتكم فلا تتجاهل حوادثكم وعدد وفياتكم الكبيرة،

ومع أن جمالنا بطيئة لكنها أفضل من طائراتكم التي أصبح ضحاياها بالملايين وأرقامها عظيمة.

وإن كنت بإرتفاع المباني فرحٌ وسعيد؛ فأخبار سقوط بعضها ليس بزمنٍ بعيد، وتزايد الصواعق الكهربائية في زمانكم لأمر شديد،

وحالات الإنتحار من أعالي طوابقها حصرياً في زمانكم أصبح بشكل فريد.

ولياليكم الـمُضيئة سلبت منكم مُـتعة مشاهدة نجوم السماء والقمر،

واستبدلتم النوم العميق بليالي السهر،

ومن قلة التبكير أصبحت أجسادكم مليئة بالعلل والإكتئاب والضجر.

وأضعتم أغلى وأثمن الأوقات من أعماركم أمام التلفاز و الفضائيات،

وتبعثرت أفكار الأخوه من الأسره الواحده بسبب تنوع الثقافات وإختلاف القناعات،

وانحدرت الأخلاق واختلفت المبادئ؛ و بسبب تعدد القنوات و قصص بعض الأفلام والمسلسلات ارتفعت حالات الطلاق بين الأزواج والزوجات.


يا ولدي في ماضينا كانت راحة البال لدينا في بيوت الطين،

فلم نكن نعرف سعر برميل البترول ولا لتر البنزين،

وكان التكافل في مجتمعنا عنوان؛ والود بين الناس متين،

وطعامنا كان طبيعاً وخالي من المواد الحافظة والكيماويات والزيوت المُهدرجة ولم يكن فينا من لديه سرطان أو حتى شخص بدين،

وهواء الخالق سبحانه لا يوجد عنه غنى؛ فمكيفاتكم وأجهزة تبريدكم رفعت أعداد من لديهم أمراض الحساسية والربو، وأصبحتم في نظري جيلَ المساكين.

وصحيح أننا لم نكن نملك شوارع مُـريحة ولا طـُرق اسفلتية،

ولكن؛ لم يكن لدينا أي إزدحامات خانقة، أو أزمات مرورية، أو مخالفات وخسائر مالية، أو كاميرات مراقبة ولا حتى إشارات ضوئية.

وإن لم يكن لدينا بنوك ولا بورصة ولا أسهم فذلك لأن المال لم يكن أقصى أمانينا، وراحة البال عن مصارفكم تُـغنينا.

فقاطعت جدي قائلاً:

كفى!!!

نحن رجال الدبابات والأسلحة الحربية،

نحن صناعنا القنبلة النووية،

نحن من ضبط عمليات التهريب وجميع الأعمال الحدودية،

نحن تقدمنا في الطب والجراحات التجميلية،

كما اننا أبدعنا في جميع أصناف الألعاب الرياضية،

ولا تنسى تطورنا الموسيقي والأغاني الطربية.

فأسكتني قائلاً:

ما الذي جرى لكم؟؟

يد الله تجمعنا وتفرقكم الأندية الرياضية والمباريات.

واستحللتم الطرب والأغاني التي قد تؤدي إلى النار بزمن القصائد والأشعار،

ولم نعرف من عمليات تجميلكم هذه التي تتغنى بها:

هنادي من شادي، ولا عبلة من جسار.

قد كنا يا ولدي نتجول في شواطئ البحرين مروراً إلى عُمان،

ونجني التمور من العراق ونرعى أغنامنا في السودان،

ونتاجرَ في الهند والسند، ونجلب الفاكهة من لبنان،

وأصبحتم في زمانكم يوقفكم ما يسمى بجواز السفر أو أي وثيقة وأي بيان.

وأما في ما يتعلق بأسلحتكم وقنابلكم فزماني كان شعاراً للسّلام ورمزاً للون الاخضرار، وأما زمانكم فقد زاد فيه الدمار والإحمرار.

وختاماً يا ولدي لو كان زمانكم أفضل من زماني لما صرخ شاعركم قائلاً:

من يخبر خالد بن الوليد ومعاوية،
أن الفرس والروم يقتلوننا اليوم علانية.
من يخبر القعقاع وحمزة والبراء،
أن الحرة في بلادنا تصرخ عالية.
من يخبر صلاح الدين أن الدماء،
في بلادنا صارت أنهار جارية.
من يخبر المعتصم أن الحرة نادت،
ولم تجد مجيبا فقالت يا ليتها كانت القاضية.

وما زال الخلاف بيني وبين جدي قائماً بين قال وقلت!! … وقلت وقال!!

وأوجه إليك عزيز القارئ السؤال:

من منا على صواب؟، ومن زمانه أجمل؟، أنا أم جدي الثاني عشر؟؟

الكاتب: عبد القادر وحيد المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى