الشريم في خطبة الجمعة: الإسلام دين سهل سمح لا يغشاه غموض، مبرأ من التعقيد والإغراب والألغاز
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام : في دين الإسلام سمة محمودة، تبدو للناس جلية في وضوحه التام، عقيدة وشريعة وأحكاماً، فهو دين سهل سمح، لا يغشاه غموض، ولا يعيا في فهمه ذووه، مبرّأ من التعقيد والإغراب والألغاز، فالاعتقاد فيه واضح، والعبادة فيه واضحة، وثوابه واضح، وعقابه واضح، نعم إنه لواضح وضوحاً طارداً لكل غموض، دافعاً لكل جهالة، إنه دين الإسلام، الشرعة الغراء، البيضاء النقية، في أصولها وفروعها، ووسائلها وغاياتها، وقواعدها ومصادرها، فرسولها الخاتم صل الله عليه وسلم هو من قال: “تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك” وهو الذي قال أيضاً: “والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية” رواه أحمد.
وأضاف : إن وضوح الإسلام بكل ما يحمله الوضوح من معنى، فلا مجال فيه للاستخفاء، ولا مكان فيه للإبهام ،كيف لا يكون ذلكم، والذي أرسل به: رسول واضح، صريح صادق، ترى الوضوح في محياه قبل أن ينطق، وفي فعله قبل أن يتكلم، هو من وصفه عبدُ الله بنُ رواحةَ بقوله : لو لم تكن فيه آياتٌ مبيِّنةٌ كانت بديهتُه تُنبيك بالخبرِ.
وأوضح الشيخ الشريم أن الوضوح: جمال في المحيا، وحسن في المنطق، وصفاء في القلب، ورزانة في الخصومة، وصدق في الحديث ووضوح المرء مع الآخرين، يعد قاعدة صلبة، لا غنى له عنها في ثبات خطواته، وبسط الثقة به لديهم، وهو بذلك: لا يروعه سخط السذج من الناس بسبب وضوحه؛ لأنه في الوقت نفسه يكسب به رضا ذوي العقل والحكمة، فالعبرة بذوي الفطن وإن قلوا، لا بذوي الغفلة وإن كثروا.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن الوضوح فيه معنى الصراحة، والبعد عن التكلف والتصنع، كما أن الوضوح كتاب مفتوح يقرأه كل أحد، هو باب مشرع لكل والج بعقله ولبه، وهو أس رئيس، من أسباب القضاء على سوء الظن والازدواجية والانفصام، الوضوح يا رعاكم الله: عدو الغموض، لا يحمل معنى الوجهين، ولا يجر ذوي الفضول إلى معرفة أغوار الشخصية الغامضة، وفك طلاسمها، والتعنت في كيفية التعامل معها، المرء الواضح: سهل المعشر، جهره ليس نقيض سره، يفهمه أكثر الناس ويألفونه، لين العريكة، لم يتزمل بما يبعده عن الناس ولا يقربه إليهم.
وأكد الشيخ الشريم على المرء المسلم أن يكون واضحاً في أقواله لتتضح الكلمة؛ ويتضح مدلولها، درءاً لأي تفسير خاطئ؛ لأن الأفهامَ تتفاوت، والألفاظَ حمَّالة، وكذا عليه أن يكون واضحاً في أفعاله، فإن ذلك منقبة له ومحمدة، وليحرص على ألا يجعل ذهابه إليهم غير رجوعه منهم، ولا حضوره بينهم خلاف غيبته عنهم، فالوضوح شعار الصادق، إذ يستوي فيه مظهره ومخبره.
وأبان فضيلته أن ثمة فرق ظاهر بين الوضوح والبلاهة، وبين الغموض وحفظ الأسرار، فالوضوح: لا يعني أن يكون المرء بليداً لا خصوص له، ولا يعني ألا يكون له أسرار يجب حفظها، ولا مصالح تقتضي الحال كتمانَها، كما أن الغموض لا يعني أنه هو الحذر بذاته، ولا هو حجب البديهات، والإمساك عن المروءات، وكتمان الشفافية، وعليك أيها المسلم بالوسط فإنه خير الأمور؛ لئلا يبلغ وضوحك حد السذاجة فتؤذى، ويبلغ كتمانك حد الغموض فينأى عنك، والكيس الفطن من كان وسطاً بين اللائين.
وأوضح الشيخ الشريم أما في مجال الإدارة المتعلقة بمصالح البلاد والعباد، فإن الوضوح والشفافية فيها آكد؛ لما في ذلكم من الأثر المتعدي إيجاباً وسلباً، فكان واجب المسؤول فيها أعظم أمام الله ثم أمام ولي الأمر الذي استرعاه عليها، وما كثر طرح مبدأ الحوكمة المعاصر إلا لضبط الإدارة والمال والمخرجات، مراعاة للصالح العام، وإعمالاً لمبدأ النزاهة ومكافحة الفساد، وإنه لا معنى لمفهوم الحوكمة إذا خلا من معاييره الثلاثة العامة، وهي معيار الامتثال والالتزام بما سنه ولي الأمر ضبطاً لمصالح المجتمع المرسلة، ثم معيار السلامة المالية حفظاً للمال العام من التلاعب، ثم معيار الشفافية والإفصاح اللذين يعنيان الوضوح الجلي، لإشراك المعنيين في استيعاب مجريات العمل على الوجه المراد له، ولم تك تلك المعايير بدعاً من الأمر، بل قد حض عليها الإسلام كلاً على حده، وإنها متى غابت عن الموكلين بها فثمة السقطة الموجعة، والإخفاق المحبط في حق تلكم الأمانة.
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن مطلب الوضوح المالي والإداري، لا يقل تأكيداً كذلكم، حينما يكون متعلقاً بجانب الأعمال التطوعية والخيرية والأوقاف، لارتباطها الوثيق بالعاطفة الدينية والثقافة الاجتماعية، وعدم خضوع عدد منها للرقابة النظامية أو المؤسسية؛ ما يكون مظنة تساهل بعض الموكلين بها تجاه إبراز جانب الوضوح والإفصاح، فإنه بمثل هذا التساهل يقع الإهمال، وينشط التأويل المتكلف في أموال المسلمين التطوعية والخيرية، فإن كون تلك الجمعيات المعنية خيرية أو تطوعية لا يعني أنها ليست مطالبة بالشفافية والوضوح في إدارتها ومصارفها ومواردها، ولا أنها في معزل عن النقد والمحاسبة؛ لأن القائمين عليها مستأمنون من قبل المتصدقين الباذلين، فمن الغلط الفاحش أن تستغل العاطفة في تجاهل الأمانة والوضوح، أو في غض الطرف عن المتابعة والاستبانة، فكم هي قصص التلاعب والخداع بين الحين والآخر، باسم العمل الخيري تارة، وباسم التطوع تارات أخرى، يتم من خلالها استحلاب أموال الناس، واستدرار عواطفهم، ولا عجب في ذلكم، فالناس يخدعون كثيراً إذا كان الأمر متعلقاً بالعاطفة الخيرية، لما فيه من إسباغ الجانب الديني تجاهها، وهو من أوسع أبواب استدرار العواطف، وقد قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: “من خدعنا بالله انخدعنا له”.
وأضاف أن هذا لا يعني التعميم البتة، فثمة جهات خيرية وتطوعية كثيرة منضبطة متقنة مستأمنة، لها جهودها المشكورة، وإنما الحديث منصب على حالات فردية أو شبه جماعية غير متزملة بالوضوح والإفصاح المعتبرين، ولا تحمل برامجها معنى الانضباط المالي على الوجه المرضي، الخاضع للرقابة والمحاسبة، إعذاراً لمن استأمنوهم على صدقاتهم وزكواتهم ، مؤكداً أن يتق الله القائمون على تلكم الأعمال، وليعلموا أن الناس قد استأمنوهم على أموالهم بعواطفهم، وأن التلاعب بها أو إهمالها، أو استباحتها بالتأويلات الباطلة، والتبريرات الملوية، والفوضى اللامسؤولة ليس بمعفيهم من خطيئتهم عند الله وعند الناس، ولا من صيرورة ما تأولوه واستباحوه وأهملوه وبالاً عليهم في دنياهم، وحساباً عسيراً عند خالقهم في أخراهم، ولا يظلم ربك أحداً.
وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان في خطبة الجمعة اليوم عن بر الوالدين والإحسان لهما , موصياً المسلمين بتقوى الله عز وجل سراً وجهداً.
وقال فضيلته: إن الله أمر بالعدل والإحسان وإعطاء كل ذي حق حقه قال تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) ,لقد شرع الله النكاح وحرم السفاح وأناط بالوالدين حقوق ومسؤوليات شاقة فكلفهما برعاية الأبناء وتربيتهم وفطر قلوبهم على الحب والرحمة والرأفة والشفقة, فجدير بالمرء ان يتذكركم شقي والداه ليسعد وكم نصبا كي يستريح وكم سهرا لأجل أن يرقد وكم جاعا لأجل أن يشبع وكم عطشا لأجل أن يرتوي وكم تجشما المخاوف ليطمئن, وقد فرض الله مقابل ذلك برهما وصحبتهما والإحسان إليهما وخفض الجناح لهما بل وقرن حقهما بحقة ورضاهما برضاه وسخطهما بسخطه وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات قال تعالى(اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) .
وأضاف : إن من أعظم الحقوق واوجبها واجل القرب واحبها حق الوالدين والإحسان اليهما وخفض جناح الذل لهما والرحمة والرأفة بهما وخاصة عند العجز والكبر قال تعالى(وَقَضَى? رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَلِدَيْنِ إِحْسَانًا ? إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ?لْكِبَرَ أَحَدُهُمَا? أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا),مشيراً إلى ان الله عزوجل أوصى الله بالإحسان بالوالدين وحث على صحبتهما بالمعروف ولو كانا كافرين لقوله تعالى(ووَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ).
ولفت الشيخ البعيجان النظر إلى أن بر الوالدين يكون بصلتهما وصدق المحبة لهما والرفق بهما والإحسان إليهما وجبر خواطرهما ومرعاه مشاعرهما وضده الإساءة والعقوق والتفريط فيهما وتضييع الحقوق ,مبيناً أن رضى الله منوط برضى الوالدين وسخط الله مقرون بسخط الوالدين فعن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضى الرب في رضى الوالد , وسخط الرب في سخط الوالد ) رواه الترمذي.
وفي ختام خطبته قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالله البعيجان : إن بر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات ومن أحب الأعمال إلى الله عز وجل وقد بلغ من تأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حق الوالدين أن جعله مقدماً على الجهاد في سبيل الله فعن عبد الله بن عمرو، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يستأذنه في الجهاد فقال: أحيّ والداك قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد).