المحلية

خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

 

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله في السر والعلن.

وقال فضيلته: إن محاسبة النفس هي طريق السالكين ، والتقوى هي زاد المؤمنين ، والعمل الصالح هو رأس مال الفائزين ، من حاسب في الدنيا نفسه خف في القيامة حسابه ، وصح عند السؤال جوابه ، وحسن منقلبه ومآبه ، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته ، وطالت في عرصات القيامة وقفاته ، وأحاطت به خطيئاته وسيئاته ، وكل عام ينقضي يبعد عن الدنيا والدور ، ويقرب من الآخرة والقبور ، ويبعد عن التمتع بالأهل ، والأولاد ، والأموال ، ويقرب من الانفراد بالأعمال .

وأوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام أن من أراد الخير لنفسه عليه الوقفة الصادقة مع النفس محاسبةً ومساءلةً ، إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين ، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين ، فانتبهوا بإيقاظه ، واعتبروا بألفاظه ، كما ورد في الأثر : ( أربعةٌ من الشقاء : جمود العين ، وقسوة القلب ، وطول الأمل ، والحرص على الدنيا ) ، مبيناً أنه من في الشباب من غره شبابه فنسي فقد الأقران ، وغفل عن سرعة المفاجآت ، وتعلق بالأماني ، وما الأماني إلا أوهام الكسالى ، وأفكار اللاهين ، وما الاعتماد عليها إلا بضائع الحمقى ، ورؤوس أموال المفاليس ، والتمني والتسويف إضاعة للحاضر والمستقبل .

وأشار الدكتور بن حميد إلى أن في أهل العلم من جد في التحصيل ، ولم يجد في العمل ، أعطوا علوماً فصرفوها في المكاثرات والمجادلات ، والعلو على الأقران ، يخرق دينه من أجل ترقيع دنياه ، لا يتحاشى غيبةً ، ولا يسلم من حسدٍ ، وفي أهل الدنيا من صرف أمواله في الشهوات والمحرمات ، وأشد هؤلاء من كسب مالاً فأدخله النار ، وورثه من بعده قوم صالحون عملوا فيه بطاعة الله ، فأدخلهم الجنة ، وحال من يوقن بالموت ثم ينساه ، ويتحقق من الضرر ثم يغشاه ، يخشى الناس والله أحق أن يخشاه ، يغتر بالصحة وينسى السقم ، ويفرح بالعافية ولا يتذكر الألم ، يزهو بالشباب ويغفل عن الهرم ، يهتم بالعلم ويهمل العمل ، يحرص على العاجل ولا يفكر في الآجل ، يطولُ عمرهُ وتكثر ذنوبه ، يبيض شعره ويظلم قلبه ، القلوب المريضة يعز شفاؤها ، والعيون التي تكحل بالحرام يقل بكاؤها ، وإذا غرقت الجوارح في الشهوات فحق عزاؤها .

وأكد الدكتور بن حميد أن على صاحب البصر النافذ أن يتزود من نفسه لنفسه ، ومن حياته لموته ، ومن شبابه لهرمه ، ومن صحته لمرضه ، فما بعد الموت من مستعتب ، ولا بعد الدنيا سوى الجنة أو النار ، ومن أصلح ما بينه وبين ربه كفاه ما بينه وبين الناس ، من صدق في سريرته حسنت علانيته ، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر الدنيا ، والمحاسبة الصادقة ما أورثت عملاً ، فعليك يا عبدالله أن تستدرك ما فات بما بقي ، فتعيش ساعتك ويومك ، ولا تشتغل بندم وتحسر يصرفك عن العمل ، واعلم أن من أصلح ما بقي غفر له ما مضى ، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وبما بقي ، والموت يأتيك بغتةً ، فأعط كل لحظةٍ حقها ، وكل نَفَس قيمته ، فالأيام مطايا ، والأنفاس خطواتٍ ، والصالحات هي رؤوس الأموال ، والربح جنات عدنٍ والخسارة نار تلظى ، لا يصلاه إلا الأشقى ، وأنت حسيبُ نفسك .

وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام بأنه لا يرجو القبول إلا مؤمن بربه وبآياته ، عابد مخلص ، وجلٌ مشفق ، يستصغر عباداته ، ويستقل طاعاته ، مدرك لجلال الله وعظمته ، وعلمه وإحاطته ، رقيب في شعائره ومشاعره .

وأضاف: إن المطلوب في الأعمال الصالحة رعاية القلوب في إخلاصها ، فالإخلاص – بإذن الله – يُورث القوة في الحق والصبر ، والمثابرة والمداومة بالإخلاص يتضاعف فضل الله ، ويعظم أجره وثوابه ، بل الإخلاص يجعل المباحات طاعاتٍ وعباداتٍ وقرباتٍ والمداومة عليها ، ومن ثم تكون حياة العبد كلها لله ، مشيراً إلى أن الموفقين للعمل الصالح ذوو قلوب مخلصة ، وتوحيدٍ خالص ، وهممٍ جادة ، موفون بتكاليف الشرع ، بعيدون عن الغفلة والأثرة ، يسلكون مسالك الإيثار يرجون رحمه الله ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا .

وأردف فضيلته قائلا: إن في قوارع الدهر لعبراً ، وإن في حوادث الأيام لمزدجراً ، أوقاتٌ تطوى فتخرب عامراً ، وتعمر قفراً ، تعير مرةً ، وتسلب أخرى ، فاحذروا زخارفها المضلة ، من تكثر منها لم يزدد من الله إلا بعداً ، ومن لم يشغل نفسه بالحق تشاغلت بالباطل ، والإناء إن لم تشغله بالماء شغله الهواء ، فمن عزم على حفظ ما بقي له من سويعات عمره فلا يصاحب إلا الجادين العاملين ، الأخيار النابهين ، البررة الصالحين ، الذين يحرصون على أوقاتهم أشد من حرص الشحيح على دراهمه ودنانيره .

وقال: جدُّوا في العمل ، واعتبروا بما سلف ، فالفرص تفوت ، والأجل موقوت ، والإقامة محدودة ، والأيام معدودة ، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ، والغفلة رأس الخطايا ، وعلى الشخص الحذر والمحاسبة ، كيف بمن عرف الله فلم يؤده حقه !؟ وكيف بمن يدعي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعمل بسنته !؟ وكيف بمن يقرأُ القرآن ولم يعمل به !؟ تقلَّبَ في نعم الله فلم يشكرها !؟ لم يتخذ الشيطان عدوا !؟ لم يعمل للجنة ، ولم يهرب من النار ، لم يستعد للموت ، اشتغل بعيوب الناس ، وغفل عن عيوب نفسه !؟ هذا وامثاله في غمرةٍ ساهُون ، تستدرجهم النعم ، ويطغيهم الغنى ، ويلهيهم الأمل ، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، ولسوف يندمون إن لم يتوبوا ولات ساعة مندم .

وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ عبدالمحسن القاسم المسلمين بتقوى الله، مبيناً أن الله تعالى جعل الدنيا داراً للابتلاء والاختبار فهي الطريق إلى دار البقاء قال تعالى ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ )).

وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى اغتنام الحياة، وما فيها من الشباب والقوة قبل فقدهما والعمل في حال الفراغ والغنى قبل نزول أضدادهما، عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم-قال: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ).

وأضاف إمام وخطيب المسجد النبوي أن اغتنام الحياة يكون بكثرة العمل الصالح والحرص على الوقت ليكون يوم العبد خير من أمسه وغده خير من يومه ومن استوى يوماه فهو مغبون، مشيراً إلى أن من نكص على عقبيه بعد الاستقامة فهو خاسر، مؤكداً أن إضاعة الأوقات من غير عمارة الآخرة هي من أعظم أسباب ضياع أيام العام سدىً.

وبين الشيخ القاسم، أن الازدياد من العلم النافع وكثرة العبادة وقراءة القرآن والكسب الحلال والإحسان إلى الخلق، هو خير وسيلة للاستفادة من الأوقات، مشيراً إلى أن دوام الحال في الدنيا من المحال، فلا بد من تقلب العبد بين السراء والضراء والفقر والغنى والأمن والخوف قال تعالى (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)).

وقال فضيلته: إن من حكمة الله التقلب أن يستخرج من في كل حال ما يناسبه من أنواع العبودية فالصبر لا يكمل إلا بالشكر ويقدر النعمة قرها إلا من ذاق ألم فقدها.

وأضاف أن العبد لا غنى له عن ملازمة التوبة وكثرة الاستغفار لأنه مبتلىً في هذه الدنيا بشيطان يوسوس له ونفس تأمره بالسوء والشهوات قال جل من قائل (( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، وفي الحديث (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ)، مبيناً أن الخطأ من لوازم البشر وأن النقص الذي يوجب اللوم ترك التوبة والإصرار على الذنوب.

وأردف إمام وخطيب المسجد النبوي، أن شهر الله المحرم قد أطل، وأن الله أضافه إلى نفسه لأن تحريمه من الله تعالى لا من غيره فهو أحد الأشهر التي حرمها الله في كتابه ونهى عن الظلم فيها قال تعالى (( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ )).

وأوضح فضيلته أن كثرة التطوع بالصيام في هذا الشهر فعل مسنون ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ، مؤكداً أن صيام يوم عاشوراء هو أفضل ما يتحرى من هذا الشهر فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم فهو اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام فصامه موسى شكراً، مشيراً إلى أن الأكمل أن يصام يوم قبله أو يوم بعده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى