ليست عزتنا بالبداوة ولا بالتمدن

نسمع في هذه الأيام موجة الاعتزاز بالبداوة كردة فعل عكسية لمن عيرنا قبل أيام بالبداوة وأنه هو متمدن متحضر… والصحيح – من غير إفراط ولا تفريط – أن العزة لا تتحقق بسكنى البادية ولا بسكنى المدن ؛ بل العزة كل العزة بمدى تحقيق التذلل والعبودية الحقة لله تعالى وتحكيم شرعه القويم.. فكلما ازداد العبد والأمة تذللا لله تعالى واتباعا لشرعة وسنة نبيه ص..ازدادوا عزة ورفعة بين خلقه ، وبالنظر إلى ميزان سكنى البادية وسكنى المدن نجد ما يلي :
أولاً : أن البداوة والبعد عن مخالطة المجتمع موجودة قدرا في كل بلاد الدنيا في مجتمعنا وغيره .. فليس كل مجتمعنا بدويا وليس كله حضريا منذ فجر التاريخ إلى اليوم .. ومنجزاتنا الحضارية والتنموية لم يحققها البدو وحدهم ولا الحضر وحدهم بل هي – بفضل الله تعالى – منجزات وطنية يفخر بها ويسهم فيها كل مواطن ومقيم على ثرى هذه البلاد المباركة
وثانياً : إن الميزان عندنا في التفاضل بين سكنى المدن وسكنى البوادي هو ميزان الشرع وحده فهو الحاكم على أقوالنا وأفعالنا ومعتقداتنا . وليست العصبيات المناطقية ، وشريعتنا الغراء جاءت بكراهة التعرب في البادية – من حيث الأصل – وبكراهة العزلة عن التجمعات البشرية بدون سبب مشروع ، لما يترتب عليها -غالباً – من الغفلة وقلة العلم والبعد عن أهله وعن مجالس الذكر والوعظ ، وما يلازمها – غالباً- من جفوة الطبع وفوات كثير من العبادات كصلاة الجمعة والجماعة وصلة الأرحام وزيارة المريض واتباع الجنازة والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، وهذه البيئات – إذا كانت بهذه الظروف – يلحظ أنها غالبا تقسي القلب وتضعف الإيمان على المدى المتوسط والبعيد ، ولذا قال ص ( مَنْ سَكَنَ البَادِيَةَ جَفَا) رواه الترمذي وصححه الألباني ، وذكر النبي ص من الكبائر( .. التَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ) رواه الطبراني وقواه الألباني ولذلك فإن بعض أهل العلم نقلوا حكم التعرب وسكنى البادية من الكراهة للتحريم إذا ترتب عليه ضعف الدين والتقصير في العبادات ، قال ص (ألاَ هَلْ عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَّخِذَ الصُّبَّةَ مِنَ الْغَنَمِ عَلَى رَأْسِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ ، فَيَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْكَلأُ ، فَيَرْتَفِعَ ، ثُمَّ تَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَجِيءُ وَلاَ يَشْهَدُهَا ، وَتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَشْهَدُهَا ، وَتَجِيءُ الْجُمُعَةُ فَلاَ يَشْهَدُهَا ، حَتَّى يُطْبَعَ عَلَى قَلْبِه ) . رواه ابن ماجة ، وحسنه الألباني .
وثالثاً : مادام الحكم يدور في مثل هذه المسألة مع علته ؛ فإن بقاع الأرض – غير الحرمين – لا تتمايز شرعاً ، فلو ان قبيلة من القبائل سكنت في البادية وهي تقيم الجمعة والجماعة وفيها علماؤها ؛ تصل الرحم فيما بينها وتنشر العلم ويتآمر أهلها بالمعروف ويتناهون عن المنكر ويقيمون شعائر الإسلام وشرائعه ؛ فيرجى أنهم بهذه الحال غير داخلين في النهي المذكور عن التعرب وسكنى البادية ، والله أعلم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى