طاقة الغاز والطاقة المتجددة تقدم مسارات سريعة لإزالة الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يسبب قطاع الطاقة ما يصل إلى 41% من الانبعاثات الكربونية العالمية يومياً. ولايزال أكثر من مليار شخص حول العالم عاجزين عن الوصول إلى موارد الطاقة الكهربائية الموثوقة، ناهيك عن التوقعات التي تشير إلى استمرار زيادة الطلب عليها، لاسيما هنا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد نمواً سكانياً سريعاً، وتتوسع فيها العمليات الصناعية والمناطق الحضرية مسببة المزيد من الطلب على الطاقة.
ومع صعود مخاوف الاستدامة إلى الواجهة، عكف العالم على التحول نحو مزيج الطاقة منخفض الكربون بوتيرة غير معهودة. وبدا هذا التحول جلياً في إجمالي حجم الاستثمارات العالمية للتحول بقطاع الطاقة، بما يشمل الإنفاق على قدرات الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية والبنية التحتية الضرورية لشحنها، وتقنيات تخزين الطاقة، وغير ذلك، والذي وصل للمرة الأولى إلى 500 مليار دولار في العام 2020، وهو رقم غير مسبوق، يمثل زيادة بنسبة 9% مقارنة بالعام السابق، على الرغم من تداعيات الجائحة على الاقتصاد. وعلى الرغم من زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، إلا أن سرعة التحول نحو مصادرها لاتزال غير كافية، حيث تشير التوقعات أنها حصتها من توليد الطاقة الكهربائية عالمياً ستكون أقل من النصف بحلول العام 2040.
ومعلقاً على ذلك، يقول جوزيف أنيس، الرئيس والمدير التنفيذي لوحدة أعمال خدمات الطاقة وأنظمة الطاقة الغازية لدى “جنرال إلكتريك” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا: “مع المضي في هذا التحول، يمكن لتبني طاقة الغاز والطاقة المتجددة بوتيرة سريعة وبأسلوب استراتيجي أن يقدم مساراً فعالاً لتحقيق تخفيضات ملموسة وسريعة في الانبعاثات، مع تقديم مصادر للطاقة الكهربائية بتكلفة في المتناول ويمكن الاعتماد عليها”. وأوضحت الدراسة التي أعدتها “جنرال إلكتريك” مؤخراً تحت عنوان “تسريع نشر مصادر الطاقة المتجددة وطاقة الغاز يمكن أن يحدث نقلة نوعية عاجلة في مسار عملية مكافحة تغير المناخ”، كيف يمكن لطاقة الغاز أن تستكمل مصادر الطاقة المتجددة للمساهمة في إزالة الكربون على نطاق واسع وعلى المدى القصير، وتقديم مسارات لتوليد الطاقة على المدى الطويل مع انبعاثات تقترب من الصفر.
وتمت مناقشة هذه الحلول خلال حوار افتراضي مع وسائل الإعلام نظمته “جنرال إلكتريك لطاقة الغاز” تحت عنوان “مسارات سريعة لإزالة الكربون عبر طاقة الغاز والطاقة المتجددة”. وتحدث خلال الجلسة كل من بريان جوتكنخت، مدير التسويق في “جنرال إلكتريك لطاقة الغاز”؛ وجيفري جولدمير مدير التقنيات الناشئة – إزالة الكربون والبرامج الخارجية والشراكات في “جنرال إلكتريك لطاقة الغاز”؛ وديبش ناندا الرئيس التنفيذي لشركة “جنرال لطاقة الغاز” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا؛ ومايكل كونادو مدير النمو التجاري في شركة “جنرال إلكتريك لطاقة الغاز” في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.
السمات المكملة للطاقة المتجددة وطاقة الغاز
نشهد اليوم التزام المزيد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بزيادة حصة الطاقة المتجددة من إجمالي مزيج الطاقة لديها وبذلها جهوداً حثيثة لإزالة الكربون من اقتصاداتها. وتخطط المملكة العربية السعودية لإضافة 60 جيجاواط من الطاقة المتجددة إلى شبكتها الوطنية بحلول عام 2030، في حين تسعى مصر إلى إنتاج 20% من طاقتها الكهربائية من مصادر متجددة للطاقة بحلول 2022، وتهدف دولة الإمارات لزيادة مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة إلى 50% بحلول عام 2050. وتقدم طاقة الغاز مزايا فريدة لدعم هذا النمو في الاعتماد على الطاقة المتجددة في المنطقة.
وتتميز طاقة الغاز بوفرتها وبتكلفتها التي تعتبر في المتناول، ومن المتوقع أن يصبح الوصول إليها أكثر سهولة خلال السنوات المقبلة، لتقدم للدول مصادر للطاقة بتكلفة منخفضة تلبي احتياجاتها. وتوفر مصادر الطاقة هذه سبلاً أكثر نظافة لتوليد الطاقة الكهربائية مقارنة بمصادر الوقود الأحفوري التقليدية، ناهيك عن أن انبعاثاتها تعادل نصف انبعاثات الفحم التقليدي. وإضافة لذلك، تقدم طاقة الغاز مسارات فعالة تدفع التحول نحو الانبعاثات المنخفضة أو الصفرية في المستقبل عبر تقنيات احتجاز الهيدروجين والكربون واستخدامهما وعزلهما.
ويقدم الغاز أيضاً مزايا الاعتمادية وقابلية الاستخدام على نطاق واسع ويمكن استخدام تقنياته لتوليد الطاقة في أي وقت خلال اليوم بصرف النظر على الفصل أو الطقس، وهذا أمر حيوي لتعزيز استقرار شبكات الطاقة الكهربائية، بالنظر إلى أن الاعتماد الكبير على الطاقة المتجددة قد يضعف استقرار الشبكات.
ويمكن لمحطات توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الغاز أن تعوض الفجوات الطويلة في إنتاج الطاقة من مصادر متجددة بأسلوب تعجز تقنيات البطاريات المتواجدة حالياً عن القيام به، حيث يمكن استخدامها عادةً لتخزين الطاقة المتجددة لفترات قصيرة (عادة أقل من 8 ساعات)، بينما تتميز طاقة الغاز بجدواها الاقتصادية مع بلوغ الطلب ذروته واستمراره لفترات أطول. وإضافة لذلك، تتمتع محطات توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الغاز بمزايا المرونة، وتمتلك القدرة على بدء توليد الطاقة بسرعة، وقدرتها على زيادة وتيرة التوليد أو تقليلها بكفاءة، والانتقال إلى وضع توليد الطاقة المنخفض للغاية بفاعلية كبيرة، وبالتالي يمكنها إنتاج الطاقة بتكلفة في المتناول ونشرها بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع لجسر فجوات الطلب عند الحاجة.
ومن المزايا الأخرى لمحطات توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الغاز صغر حجمها بشكل ملحوظ مقارنة بمحطات التوليد باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يجعلها خياراً مثالياً في الدول ذات المساحات المحدودة ويمكن إنشاؤها على مقربة من مواقع الطلب المرتفع على غرار المناطق الحضرية، وبالتالي تقليص حجم الاستثمار اللازم في البنية التحتية المخصصة لنقل الطاقة الكهربائية.
إطلاق الإمكانات الكامنة في تقنيات طاقة الغاز
تتوفر اليوم حلول طاقة الغاز القادرة على تمكين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تقليل الأثر البيئي لعمليات توليد الطاقة الكهربائية الجارية فيها. وكإجراء عاجل يقدم أثراً مباشراً على المدى القصير، يمكن تنفيذ حلول التحديث لزيادة قدرات توليد الطاقة وكفاءتها ومرونتها ودورة حياة تقنياتها وتوافرها باستخدام التوربينات الغازية، مع الحد من استهلاك الوقود والأثر البيئي بالمجمل. وفي مصر، تساعد حلول “جنرال إلكتريك” في مجال الاحتراق من بينها مسار الغاز المتقدم Advanced Gas Path (AGP) والمركب ضمن التوربينات الغازية من طراز 9E في محطة كهرباء غرب دمياط، في تحسين كفاءة استهلاك الوقود بنسبة 2.2% وزيادة معدلات توليد الطاقة لكل توربين بما يتجاوز 4.5 ميجاواط، بما يقود إلى زيادة في إجمالي عمليات التوليد تعادل 18 ميجاواط في المحطة، بما يكافئ توليد الطاقة اللازمة لتزويد أكثر من 15 منزل بالكهرباء في البلاد.
ولاتزال العديد من محطات توليد الطاقة الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستخدم التوربينات التي تم تركيبها في ثمانينيات القرن الماضي، وتواصل عملها بالدورة البسيطة بمستويات من الكفاءة أقل من 30%. لذلك فإن تحويل هذه المحطات للعمل بالدورة المركبة هو أمر يمكن تحقيقه في غضون فترة لا تتجاوز 16 شهراً، لتمكينها من تعزيز استطاعتها الإنتاجية بنسبة 50% باستخدام الكمية ذاتها من الوقود.
ويتعين تركيب التقنيات المتقدمة على المدى المتوسط إلى الطويل، والتي تقدم مستويات أعلى من الكفاءة والمرونة لدعم مرافق توليد الطاقة الكهربائية الجديدة. ويمكن لمحطات توليد الطاقة باستخدام الغاز أن تعمل في الغالب لفترة 30 عاماً وأكثر، نتيجة لتبني تقنيات أعلى كفاءة من السابق، على غرار توربينات “جنرال إلكتريك” من طراز H-class، التي سجلت بالفعل اثنين من الأرقام القياسية لكفاءة العمل بالدورة المركبة، ويمكنها مساعدة ملاك محطات الطاقة في تقليل الانبعاثات لكل ميجاواط مولدة خلال العقود المقبلة. وفي دولة الإمارات، تعمل هيئة كهرباء ومياه الشارقة على تركيب هذه التقنيات في محطة توليد الطاقة الكهربائية باستطاعة 1.8 جيجاواط في الحمرية الجاري إنشاؤها. وباستخدام ثلاثة توربينات لشركة “جنرال إلكريك” من طراز 9HA تعمل بالدورة المركبة، يمكن للهيئة تقليل الانبعاثات الكربونية بما يصل إلى 4 ملايين طن سنوياً، مقارنة بالمستويات الحالية، ما يعادل إزالة مليون سيارة عن طرق دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتقدم التقنيات الهجينة سبلاً إضافية لتلبية احتياجات الطاقة في المستقبل. ونجحت “جنرال إلكتريك” بإدخال تقنية تخزين الطاقة في البطارية إلى التوربينات الغازية من طراز 7F عبر حلول تشغيل المحطات دون الاعتماد على الشبكة في محطة بيريفيل للطاقة ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية. وتقوم حلول تشغيل المحطات دون الاعتماد على الشبكة بإعادة تشغيل المحطة بحالتها المثلى دون دعم شبكات الطاقة الكهربائية في حال وقوع خلل كبير أو توقف كامل في منظومة توليد الطاقة. ولتفعيل هذه الحلول، عادة ما تمتلك محطات الطاقة الكهربائية التقليدية مولدات صغيرة تعمل بالديزل، تدعى مولدات الديزل لتشغيل المحطات دون الاعتماد على الشبكة، والتي يمكن استخدامها لتشغيل المولدات الأكبر حجماً، وتسخيرها في المقابل لتشغيل المولدات الرئيسية في المحطة. واليوم، تحظى محطة كهرباء بيريفيل بدعم نظام تخزين الطاقة في البطارية بقدرة 7.4 ميجاواط من “جنرال إلكتريك”، إلى جانب التوربين الغازي الذي يعمل بالدورة البسيطة. ويوضح هذا المشروع طبيعة طاقة الغاز والتخزين في البطارية المتكامل. ويشكل أيضاً نموذجاً محتملاً للمشاريع المستقبلية العاملة باستخدام توربينات 7F من “جنرال إلكتريك” التي يبلغ عددها أكثر من 950 توربين وتحتضن المملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط، أكثر من 70 منها.
ولابد من الإشارة أيضاً إلى وجود حلول لمرحلتي ما قبل وبعد الاحتراق قادرة على المساعدة في جهود الاستدامة وتندرج ضمن تقنيات الاحتراق المتطورة. وبالنسبة لحلول ما قبل الاحتراق، هنالك مقاربات عديدة لأنواع الوقود منخفض أو منعدم الانبعاثات الكربونية، بما يشمل استخدام الهيدروجين لتوليد الطاقة. وباتت “جنرال إلكتريك” تمتلك خبرة واسعة في استخدام أنواع الوقود البديل منخفض القيم الحرارية بما يشمل الهيدروجين لتوليد الطاقة. وباعتبارها رائدة في التوربينات الغازية المرنة في استخدام أنواع مختلفة من الوقود، لدى “جنرال إلكتريك” أكثر من 75 توربين يعمل باستخدام الوقود منخفض القيمة الحرارية، بما يشمل مزيج الهيدروجين والغاز الطبيعي، وسجلت مجتمعة أكثر من 60 مليون ساعة عمل. وتعمل “جنرال إلكتريك” بالفعل على تفعيل التحول نحو الدورة المركبة في محطة توليد الطاقة الكهربائية في أوهايو في الولايات المتحدة الأمريكية لتصل استطاعتها إلى 485 ميجاواط، لتعمل بالهيدروجين الخالي من الانبعاثات الكربونية. وتتعاون “لونج ريدج إنيرجي تيرمينال” المالكة للمحطة مع “جنرال إلكتريك” و”نيو فرترس إنيرجي” لتزويد العملاء بخيارات توليد الطاقة دون انبعاثات كربونية من خلال إدخال الهيدروجين ضمن مسار الغاز وتحويل المحطة للاعتماد الكامل على الهيدروجين الأخضر خلال العقد المقبل.
هنالك العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمتع فعلياً بإمكانات كبيرة لتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بتكلفة منخفضة، وتعمل بالفعل على استكشاف المبادرات القادرة على إنتاج نوعي الهيدروجين الأخضر والأزرق. وبما أن الوصول إلى هذا النوع من الوقود أصبح أمراً أكثر سهولة وأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، يمكنه لعب دور أكبر ضمن مزيج الطاقة في المنطقة. وقد بدأنا بالفعل برؤية الإعلان عن إقامة العديد من مشاريع إنتاج الهيدروجين في المنطقة. وفي المملكة العربية السعودية كمثال، تم الإعلان عن منشأة بتكلفة 5 مليارات دولار ضمن مشروع نيوم، ستكون مدعومة بالطاقة المتجددة لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر للأسواق العالمية. وستعمل على تزويد 650 طن يومياً من الهيدروجين الخالي من الكربون ومن المخطط أن تدخل المرحلة التشغيلية في عام 2025.
وبالنسبة لحلول ما بعد الاحتراق، يمكن إدخال تقنيات احتجاز واستخدام وتخزين ثاني أكسيد الكربون على محطات توليد الطاقة العاملة بالدورة المركبة باستخدام الغاز الطبيعي، لاحتجاز الانبعاثات الكربونية وتقديم سبل أكثر نظافة لتوليد الطاقة الكهربائية. وتعمل مشاريع احتجاز الكربون وتخزينه عالمياً ضمن عدد من القطاعات منذ تسعينيات القرن الماضي، وهنالك مثل هذه المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً، على غرار مشروع أدنوك لاحتجاز واستخدام وتخزين الكربون في منشأة “الريادة” في أبوظبي، والقادر على التقاط 800 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً.
ويختتم أنيس بقوله: “هنالك مسارات عديدة يمكن تبنيها لاستشراف مستقبل قائم على الطاقة النظيفة عبر طاقة الغاز، ونحتاج إلى تبني هذه الحلول لأخذ خطوات جادة للتصدي لأزمة التغير المناخي اليوم تحديداً، وليس بعد سنوات. وبالطبع، لا يوجد حل واحد يناسب الجميع. كما أن مزيج أنواع الوقود والتقنيات الضرورية لتحقيق أهداف الانبعاثات الكربونية الصفرية هو أمر يتفاوت من دولة لأخرى. إلا أنه لا يوجد أدنى شك بأن طاقة الغاز قادرة على لعب دور حيوي في مساعدة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تحقيق إزالة الكربون بسرعة وكفاءة كبيرتين وعلى نطاق واسع أيضاً”.