هرم خوفو و”علبة السيجار”.. باحثة مصرية تروي قصة الكشف المثير
خلال جولة روتينية للباحثة المصرية عبير العداني داخل جامعة أبردين باسكتلندا، لأداء عملها في تنسيق مجموعة من الآثار الأسيوية، جذب انتباهها علبة سيجار تحمل علم مصر، اقتربت أكثر بدافع الفضول، خفق قلبها بشدة أثناء الكشف عن محتوى الصندوق الصغير لتجد مفاجأة لم تكن في الحسبان.
وأكدت عبير لموقع سكاي نيوز عربية أنها عرفت لحظتها أنهم أمام كشف كبير، فهي قد عثرت على قطعة أثرية تنتمي إلى الهرم الأكبر، وهي أجزاء خشبية يبلغ عمرها آلاف السنوات.
وبحسب بيان رسمي صادر عن جامعة “أبردين” الاسكتلندية فإن الاكتشاف الجديد يسلط الضوء على الهرم الأكبر، ويمكنه إظهار أدلة تتعلق ببناء أحد عجائب الدنيا القديمة، خاصة مع ظهور اعتقاد بكونها جزء من قاعدة قياس هرم “خوفو”.
وعادت عبير إلى سجلات المقتنيات المصرية بالجامعة للتأكد من قيمة القطعة الأثرية، وطابقت الأرقام المحفورة على علبة السيجار بأخرى موجودة في الأوراق الرسمية، لتُدرك أنها مفقودة منذ عقود، حيث جرت محاولات عدة من إدارة “أبردين” للوصول إليها دون جدوى.
وتضيف الباحثة المصرية في حديثها لموقع سكاي نيوز عربية: “لم يخطر على بال أحد أن القطعة ضائعة داخل مجموعة الآثار الأسيوية، الجامعة تضم مئات الآلاف من القطع الأثرية التي تنتمي لدول وحضارات مختلفة، والعثور عليها كان أشبه بالمستحيل”.
ويعود تعلق عبير بالآثار المصرية لطفولتها، قبل أن تدرس الترميم في كلية الآثار بجامعة القاهرة، وتتخرج في عام 1991، كما حصلت عبير على الماجستير من كلية إرشاد سياحي بحلوان، وانتقلت إلى إنجلترا في منحة دراسية عن المومياوات بالمتحف البريطاني ومنها إلى “أبردين” التي استقرت بها منذ 16 عاما.
وتعد القطعة الأثرية المصرية واحدة من 3 عناصر التقطها المهندس واينمان ديكسون من داخل غرفة الهرم الأكبر عام 1872 رفقة الطبيب جيمس غرانت الذي سافر إلى مصر خلال تفشي وباء الكوليرا، لتقديم المساعدة الطبية قبل أن يلتقي بـديكسون وينطلق معه في مغامراته اليومية بمنطقة الأهرامات الثلاثة.
وضمت “بقايا ديكسون” كما أُطلق عليها، كرة وخطاف، جرى نقلهما فيما بعد إلى المتحف البريطاني فيما بقت القطعة الخشبية المصرية التي يبلغ طولها 5 بوصات بحوزة غرانت، احتفظ بها داخل منزله ليعرضها على ضيوفه حتى وفاته في عام 1895، كما تؤكد الأمينة المساعدة بالجامعة.
وتُشير عبير إ لى أن ابنة غرانت تبرعت في عام 1946 بمقتنياته الأثرية، ومن بينها القطعة المصرية، إلى متحف الجامعة التي تعلم فيها، وهي جامعة أبردين، وبعد سنوات لم تظهر تلك الأثار مطلقا ضمن المجموعة المصرية أو القطع الأثرية الأخرى في المكان.
وتابعت الباحثة المصرية التي شاركت في بعثات أثرية عديدة بمصر واسكتلندا: “كان علينا إرسال عينة من القطعة الخشبية إلى المعامل المتخصصة لإجراء تحليل المواد العضوية للتعرف على عمرها، لكن تأخرت الخطوة نظرا لتفشي (كوفيد – 19) ولم نعرف النتيجة سوى في شهر أغسطس الماضي”.
أقدم مما نتخيل
“جاءت النتيجة بأن القطعة تعود إلى ما بين 3341 و3094 قبل الميلاد، وهو دليل على صحة تاريخ بناء الأهرامات، لم يكن متاح إجراء تحليل للعينات الأخرى من (بقايا ديكسون) لكونها غير عضوية، لكن القطعة الخشبية أتاحت لنا إتمام هذا الاختبار” تذكرها عبير بسعادة.
وبعد ظهور النتائج اعتبر نيل كيرتس، رئيس المتاحف والمجموعات الخاصة أن التأريخ بالكربون المشع للقطعة الخشبية كشفا كبيرا، قائلا: “إنها أقدم مما كنا نتخيل، قد يكون ذلك بسبب ندرة الأشجار في مصر القديمة” وفقا لبيان رسمي للجامعة،
حتى الآن لم تتواصل وزارة الآثار المصرية مع جامعة “أبردين” بشأن القطعة الأثرية، لكن عبير التي ساهمت في تنفيذ قاعة المومياوات الملكية بالمتحف المصري عبرت لموقع سكاي نيوز عربية عن حماسها لأي تعاون مع القاهرة.
واستطردت عبير لموقع سكاي نيوز عربية بعد ساعات من الإعلان عن الكشف المثير: “الجامعة مستعدة دائما لتبادل المعلومات مع الباحثين والدول التي تنتمي إليها القطعة الأثرية”.
عودة القطعة الأثرية لمصر
وعن إمكانية إعادة القطعة الأثرية إلى مصر تؤكد عبير أنه “لا يوجد مستحيل في هذا الأمر” على حد وصفها، منوهة إلى أن إدارة جامعة “أبردين” مرنة ولديها سياسة واضحة في تلك المسألة واستجابت في السنوات الأخيرة، لطلبات بنقل مقتنيات عدة إلى بلادها الأصلية خاصة في عامي 2003 و2006.
وشعرت الباحثة المصرية بسعادة بالغة من ردود الفعل حول الاكتشاف الأخير، وتقول لموقع سكاي نيوز عربية عن ذلك: “أعتقد أن اهتمام الناس بعلم الآثار المصرية أمر هام ورائع، وهي فرصة ليتعرفوا على وجود اكتشافات عديدة في المتاحف والجامعات لقطع أثرية عديدة”.
وعن مصير القطعة الخشبية العتيقة، تُشير الباحثة المصرية إلى أنها ستبقى داخل الجامعة ويمكن للباحثين والدارسين الاطلاع عليها بعد فتح أبواب الجامعة عقب السيطرة على فيروس كورونا، وتعتقد عبير أنه يمكن عرضها للجميع بعد موافقة المسؤولين عن المعارض بالجامعة.
وبعد أيام قليلة من الإعلان عن الكشف الكبير، تعود عبير من جديد إلى عملها في الجامعة، تنهمك مرة ثانية بجانب فريق عمل ضخم من أجل مراجعة القطع الأثرية وتسجيلها ضمن مشروعات مستمرة في “أبردين” لإعادة استكشاف التاريخ من خلال المقتنيات القديمة النادرة.