نصيحة سيرجيو إرموتي لخليفته: تجاهل ضجيج الصحافيين والمحللين
عندما أصبح سيرجيو إرموتي الرئيس التنفيذي لمصرف يو بي إس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، كان المصرف السويسري الذي يبلغ من العمر 158 عاما في واحدة من أضعف النقاط في تاريخه.
كانت الأسواق تهبط وسط أزمة ديون سيادية في منطقة اليورو، وقبل أشهر فقط كشف المصرف عن أن متداولا محتالا أخفى خسائر بقيمة 1.8 مليار فرنك سويسري (ملياري دولار)، وهي فضيحة أسقطت سلف إيرموتي، أوزولد جروبل.
إيرموتي الذي انضم إلى “يو بي إس” في 2010 قادما من مصرف يوني كريديت الإيطالي، حصل على ترقية في ساحة المعركة لتصحيح مسار السفينة جنبا إلى جنب مع الرئيس الجديد آنئذ، أكسل فيبر، أستاذ الاقتصاد السابق والرئيس السابق للبنك المركزي الألماني “بوندسبانك”.
بعد تسعة أعوام يتنحى الرجل البالغ من العمر 60 عاما وسط أزمة من نوع جديد، يصفها بأنها “مختلفة تماما” لأن العملاء والموظفين “خائفون على حياتهم” هذه المرة، وليس فقط على منازلهم أو استثماراتهم.
“هل أستمتع بالأزمات؟ أنا لست ماسوشيا مثل هذا (…) لكنني أعلم بالطبع أن هذا هو الوقت الذي من المفترض أن أكون فيه أكثر وضوحا”، حسبما يقول إرموتي. “من الصعب جدا الاستمتاع بمثل هذا الموقف، لكنه (…) يجعل العمل رائعا لأنك لا تعرف حقا ما هو التالي”.
إرموتي سيسلم مهامه إلى رالف هامرز في تشرين الثاني (نوفمبر) وسينتقل إلى رئاسة شركة التأمين، سويس ري. ليس هناك شك في أنه على الرغم من قضايا سوء السلوك المستمرة – مثل الغرامة المحتملة للمصرف البالغة 4.5 مليار يورو لمساعدة عملاء فرنسيين على التهرب من الضرائب – فإنه يترك “يو بي إس” في حالة أفضل مما وجده.
منذ 2011، حقق “يو بي إس” أرباحا قبل الضرائب بلغت 37 مليار دولار وأعاد 20 مليار دولار للمساهمين، كل ذلك مع امتصاص 15 مليار دولار من تكاليف الدعاوى والتكاليف التنظيمية.
الرئيس التنفيذي حصل على الثناء بسبب تصحيح الوضع بعد الأزمة المالية، ما أدى إلى تقليص الذراع التجارية للمصرف الاستثماري وتعزيز مكانته باعتباره أكبر مدير للثروة في العالم، ما أدى إلى زيادة الأصول الخاضعة للإدارة أكثر من تريليون دولار لتصل إلى 2.6 تريليون دولار. كثيرون، بمن فيهم منافسه “كريدي سويس”، نسخوا استراتيجيته.
يقول إرموتي إن أفضل قرار اتخذه هو تجاهل ضجة الصحافيين والمحللين والمساهمين الذين طالبوه ببيع أعمال الثروة الأمريكية وإغلاق مصرف الاستثمار في أعقاب فضيحة التداول الاحتيالي.
يضيف: “كان أفضل قرار اتخذته هو عدم اتباع الإجماع (…) أنا متأكد من أنني لن أكون الرئيس التنفيذي اليوم لو فعلت ذلك. من خلال الإدراك المتأخر، من السهل دائما (التشكيك)، لكن باعتبارك قائدا، عادة ما تكون غريزتك الأولى هي الصحيحة (…) لذا إذا كان علي تعلم أي شيء، فإنه الاعتماد على تلك الغرائز أكثر”.
إدارة الثروات في الأمريكتين أسهمت بأرباح قبل الضرائب بلغت 1.3 مليار دولار العام الماضي، واستفاد المصرف الاستثماري – على الرغم من سلسلة الخسائر المحرجة في 2019 – من زيادة في عائدات التداول خلال فيروس كورونا، ما خفف ضربة تعادل مئات الملايين من الدولارات عبارة عن خسائر محتملة من التخلف عن سداد القروض الاستهلاكية.
يقول إرموتي: “نصيحتي لرالف هي أن يأخذ وقته ولا يستمع إلى الإجماع”. يجب أن “لا يميل لإثارة إعجاب الناس فقط من أجل ذلك في الأشهر القليلة الأولى”.
في الأيام الأولى للجائحة، عمل إرموتي بضعة أيام في الأسبوع من مكتبه في منزله في لوجانو – بلدة البحيرة الصغيرة التي ولد فيها، على بعد 200 كيلو متر جنوب زيوريخ، على الحدود الإيطالية.
خلال فيروس كورونا “كانت شدة مختلفة عن المعتاد. الموضوعات التي تمت مناقشتها كلها أولويات قصوى”، حسبما يقول.
في ذروة الجائحة في أوروبا في أواخر آذار (مارس)، كان أكثر من 90 في المائة من موظفي “يو بي إس” يعملون من المنزل. يقول: “أعلم أنها مشكلة عندما تكون لديك عائلة، ربما يعمل الزوج والزوجة مع الأطفال من حولهما، ومدى تعقيد الأمر من الناحية اللوجستية”.
كان على إرموتي أن يتعلم التواصل بطريقة مختلفة، ما يجعل الموظفين “مرتاحين لأنهم يعملون في مكان آمن، وأننا نهتم بهم (…) الجزء اللين من المعادلة، وهو بعد لم يكن موجودا من قبل، لنكون صادقين”.
في 1975 ترك إرموتي المدرسة في سن 15 عاما ليصبح لاعب كرة قدم، لكنه سرعان ما أدرك أنه “لم يكن جيدا بما فيه الكفاية” وقرر أن يصبح مدرسا للرياضة بدلا من ذلك. لكن في البداية كان مطلوبا منه أن يتدرب، وتم تعيينه في قسم الأوراق المالية في مصرف خاص تديره عائلة.
في البداية رفض العمل التجاري باعتباره “مملا”، لكن التجربة “غيرت حياتي وعندما بلغت الـ16 من عمري عرفت أنني أريد أن أصبح تاجرا”. يضيف: “سمعت أشخاصا يتحدثون عن الأمور السياسية والاقتصاد وكانت السوق المالية محمومة، وكل ما كان يحدث في العالم كان يؤثر في ما يفعله هؤلاء الأشخاص (…) كل يوم كان مختلفا”.
كانت أولى خطواته الكبيرة هي الانتقال إلى “سيتي بانك” في زيوريخ، ثم في 1987 طلب منه مصرف ميريل لينش فتح قسم سويسري لأسواق رأس المال عندما كان عمره 27 عاما فقط.
من خلال إدارة طوابق التداول الجشعة والإشراف على مديري الثروات بإذن من بعض أغنى أغنياء العالم، كان على إرموتي التعامل مع كثير من الشخصيات المتقلبة، ولا سيما رئيس إدارة الثروات السابق، يورج زلتنر – الذي توفي هذا العام – وأندريا أورسيل، الذي عينه لتغيير المصرف الاستثماري لـ”يو بي إس” للأحسن.
يقول: “عند إدارة الشخصيات الكبيرة (…) أحاول دائما أن أكون مكملا، وأدع الناس يديرون أعمالهم، ولا أتدخل إلا عند الضرورة”. يتابع: “لدي فلسفة مثل التي كانت لدي عندما كنت قائدا لفريق كرة قدم في أعوام شبابي (…) وهي أنك تحتاج إلى إنشاء عمل جماعي، مع إدراكك بأنه من غير الممكن أن تكونوا أصدقاء طوال الوقت”.
يضيف: “طالما يتحرك الجميع في الاتجاه نفسه، لن تواجه أي مشكلات (…) لكن عندما يفكر الناس أكثر في صورتهم الشخصية ومصالحهم الخاصة أكثر من (…) مصلحة العملاء والمؤسسة، فهذا لا ينفع”.
“لا أريد أن يكون لي ولاء أعمى، لكنني أتوقع الصدق والشفافية، وعندما أكتشف أن الناس ليسوا على هذا الشكل، أتصرف وفقا لذلك”.
هل هذا يعني التخلص منهم؟ “نعم”.
لم يخجل إرموتي أبدا من إبداء الآراء الصريحة. كان دائما أحد المصرفيين الأكثر ربحا في أوروبا – كان يكسب في المتوسط 11.5 مليون فرنك سويسري سنويا على مدار فترة ولايته – في 2017 قال إن انتقادات المنظمين للمكافآت “صدرت عن أشخاص ربما يشعرون بالإحباط لأنهم لم يحققوا هذا النوع من المستوى من الأموال”.
في العام الماضي، أنشئ حساب على موقع تويتر باسم UBS_CEO@. عندما كان المصرف يمر بفترة صعبة في الأرباح، وأصبح غارقا في فضيحة ضريبية فرنسية بقيمة 4.5 مليار يورو، وتعرض لانتقادات لخفضه أجر النساء في إجازة الأمومة، وانتشرت التكهنات حول مستقبله، استخدم ذلك أحيانا لانتقاد المؤسسات الإخبارية، بما في ذلك “فاينانشيال تايمز”، حول تغطيتها للمصرف.
إيرموتي يصر على أنه يتعامل مع النقد بشكل جيد باعتباره قائدا عندما يكون ذلك مبررا. يقول: “بشكل عام، أنا منفتح على النقد، لكن ما لا أحبه هو الأشخاص السطحيون وغير المطلعين. إذا كان هناك شيء واحد أكرهه حقا، فهو النفاق (…) بالنسبة لي، إنه أحد أسوأ العلل في مجتمعنا”.
عن الشخصيات التي يعدها أبطاله في القيادة يقول عندما كان صغيرا هم لاعبو كرة القدم، مثل يوهان كرويف. يضيف: “لا أعرف ما إذا كان هذا يبدو متعجرفا، لكن من وجهة نظر قيادية، ليس لدي أي أبطال”.
لو لم تكن قائدا ماذا كنت ستكون؟ ردا على هذا السؤال يقول إرموتي: “إذا لم تكن قائدا، فأنت تابع، أليس كذلك؟ لقد بدأت في الـ27 من عمري وكنت قائدا، وأدير فرقا صغيرة وما إلى ذلك. أصبح هذا الآن جزءا تقريبا من حمضي النووي”.
وعن أول درس تعلمه في القيادة يقول: “كان والدي موظفا عاديا في أحد المصارف مسؤولا عن خدمة البريد. لذلك لا يوجد شيء مهم للغاية، لكنه أخذ الأمر على محمل الجد، بحماس شديد”.
يضيف: “رأيته يعمل حتى يومه الأخير قبل التقاعد كما لو كان سيعمل لخمسة أعوام مقبلة. ربما يكون هذا أمرا يحفزني الآن على أن أعطي 100 في المائة لـ”يو بي إس” حتى الدقائق الأخيرة”.