بوتين يتجاهل مئوية الثورة الشيوعية ويصف لينين بـ«الخائن»
في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، سيحتفل الحزب الشيوعي في الاتحاد الروسي بالذكرى المئوية لثورة 1917 مع مسيرة احتفالية وحفل استقبال.
إلا أن الرئيس فلاديمير بوتين لن يحضر الموكب، وستعقد فعالية المساء في مركز رينيسانس موسكو مونارك، فندق مؤتمرات عادي المستوى، يقع بعيدا عن الكرملين.
بالنسبة لبوتين، فإن إقصاء نفسه إلى هذه المسافة البعيدة عن هذه الذكرى التاريخية المهمة أمر غريب – فأثناء توليه الرئاسة أصبح التاريخ أداة أيديولوجية أكثر أهمية من أي وقت مضى، لتعزيز الوحدة الوطنية وحشد التأييد العام.
يقول جينادي بورديوجوف، وهو مؤرخ ومسؤول بارز في رابطة باحثي المجتمع الروسي، التي ترصد مشاعر الجماهير إزاء الثورة، إنه على مدى العقد المنصرم “أخذت روسيا تنظر إلى ماضيها بنوع من التقديس”.
في الواقع، احتفل بوتين بانتصار بلاده على ألمانيا النازية بالمزيد من البهاء أكثر من أي وقت مضى، بما في ذلك إقامة عروض عسكرية كبيرة في الساحة الحمراء، وخطابات تؤكد على دور الاتحاد السوفياتي أكثر من القوى الغربية في هزيمة هتلر، لاستثارة الفخر في قوة الشعب وتضحياته خلال الحرب العالمية الثانية.
بناء على التعليمات التي أصدرها، تم استبدال كتب التاريخ المدرسية التي تحوي تفسيرات متباينة للأحداث مثل الثورة بعدد قليل منها، تستند على تفسير موحد.
في العام الماضي، قال بوتين إن الضعف الاقتصادي الذي عانته روسيا أخيرا، جزئيا بسبب العقوبات الغربية المفروضة بسبب مسألة ضم شبه جزيرة القرم، لم يكن يحمل الكثير من المغزى أو الأهمية في المسار التاريخي.
كما قال: “قد تتخلف البلاد في بعض الجوانب، لكنها تملك تاريخا يمتد منذ ألف عام، وروسيا لن تستبدل سيادتها بأي شيء”.
يقول أندري كوليسنيكوف، الذي يعمل لدى مركز كارنيجي في موسكو، إن هذا الاستخدام للتاريخ مناسب في إضفاء الشرعية على نظام بوتين: “تحدد النخب والأغلبية الموالية لبوتين من خلال التاريخ وبمساعدة الماضي ’هويتها وأصلها‘، على حد تعبير كوليسنيكوف.
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، بدأت روسيا تسعى للعثور على إجابات لتلك الأسئلة. بالنسبة للجمهوريات السوفياتية السابقة، فإن الكثير منها يقع تحت سيطرة الجماعات العرقية وليس الروس، فقد كان الحصول على الاستقلال أساسا قويا لنيل الهوية الوطنية.
أما بالنسبة للكثيرين في روسيا الاتحادية، ففي اليوم الذي أصبح فيه بلدهم مستقلا كانت خسارتهم أكبر من مكاسبهم، حيث خسروا إمبراطورية، ودولة كان يطلب منهم فيها الشعور بالفخر.
يضيف كولسنيكوف: “لهذا السبب أصبحت العوامل السياسية القائمة على التاريخ مهمة جدا: ما نحتاج إليه هو وجود أبطال يلهمون الناس، وروايات يمكنها المساعدة في تحقيق المصالحة في المجتمع.
إن ثورة 1991 لا فائدة ترجى منها بهذا الخصوص، لأن الخطوط الأمامية التي لعبت دورا آنذاك أصبحت لا صلة لها اليوم”.
جعل بوتين موقفه المتناقض الذي ينظر من خلاله للثورة أمرا واضحا، فقد قال في الأسبوع الماضي: “رأينا كيف كانت نتائجها غامضة جدا، وكيف تتشابك الآثار الإيجابية والسلبية المترتبة على تلك الأحداث بشكل وثيق”.
كما قال إن التطور التدريجي كان سيخدم روسيا بشكل أفضل من اضطرابات عام 1917 مع “تدميره لمكانة الدولة والتدمير الساحق لملايين الأرواح البشرية”.
يعكس اشمئزاز بوتين من اضطرابات عام 1917 حالة قلق أوسع نطاقا إزاء الهياج الثوري الذي ساعد في تأطير نظرته. وهو يشعر بالاعتزاز من أنه تمكن من إعادة روسيا إلى حالة الاستقرار بعد فترة التسعينيات المضطربة. ع
على مدى أكثر من عقد من الزمن، أدان الإطاحة أو محاولة الإطاحة بالنظم الحاكمة في كل من أوكرانيا ومصر وسورية، حيث اعتبرها على الفور مؤامرات غربية قد تمتد يوما ما لتصل إلى روسيا.
على أنه بعد ذلك، نسب الفضل إلى الاتحاد السوفياتي برفعه مستويات المعيشة، وإيجاد طبقة وسطى قوية، وإصلاح سوق العمل وتعزيز حقوق الإنسان، وأنه كان قد ساعد في النهوض بهذه التطورات في الغرب.
موقف بوتين المتضارب اتجاه الاتحاد السوفياتي يثير منذ فترة طويلة دهشة وحيرة المراقبين الغربيين. في عام 2005، أطلق على انهيار الاتحاد السوفياتي “الكارثة الجيوسياسية الأكبر في القرن”.
أساء الكثيرون في الغرب قراءة هذه العبارة واعتبروا أنها ثناء على الاتحاد السوفياتي، لكنها كانت بشكل أكبر تعبيرا عن حالة الصدمة التي يشعر بها أغلبية الشعب الروسي، وتحذيرا من المخاطر الناجمة عن انهيار قوة عالمية.
كما أن نظرته لأنصار الثورة أمر متناقضا أيضا، فقد ألقى باللوم على فلاديمير لينين في التسبب بزوال الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف، قائلا إن القائد كان قد وضع “قنبلة موقوتة” في قلب الدولة التي أسسها من خلال رسم الحدود على أساس عرقي.
كما أطلق على لينين لقب الخائن كونه بدأ حربا أهلية عندما كانت روسيا تحارب بالأصل عدوا خارجيا في الحرب العالمية الأولى.
بوتين دافع أيضا عن الديكتاتور جوزيف ستالين لإبرامه حلفا مع ألمانيا النازية، وانتقد الدول المجاورة لإزالتها المعالم والآثار التي تمجد الجيش السوفياتي أو لينين.
تظهر البحوث الجديدة الصادرة عشية الاحتفال بالذكرى المئوية أنه مع هذا الموقف الذي يبدو بأنه متناقض، فإن بوتين يمثل التيار الرئيسي.
توصل استطلاع للرأي أجراه “مركز بحوث الرأي العام” الموالي للكرملين VCIOM في العام الماضي أن 45 في المائة من الناس يؤمنون بأن الثورة كانت تمثل إرادة الشعب الروسي، في الوقت الذي اختلف فيه 43 في المائة مع هذا الرأي.
في عام 1990، عشية انهيار الاتحاد السوفياتي، اتفق 36 في المائة مع هذا الرأي واختلف معه 37 في المائة.
يقول فاليري فيدوروف، المدير العام للمركز: “انتهت الحرب الأهلية منذ فترة طويلة، لكن النقاش حولها لم ينته حتى الآن”.