الطاقة المتجددة في المملكة تدخل على خط “النفط”.. “الشمس الساطعة” بترولنا القادم
في زحمة انشغالها بتفعيل قطاع النفط وحل مشكلاته التي طرأت على السطح في السنوات القليلة الماضية، بسبب تراجع أسعاره؛ رأت المملكة العربية السعودية أن تهتم -على خط متوازٍ- بقطاع الطاقة المتجددة بجميع أنوعها، واكتشاف أسراره، وضخّ المزيد من الاستثمارات فيه؛ يأتي ذلك لإيمان قادة المملكة العميق بأن “النفط” مادة قابلة للنفاد مهما طال بها الزمن، ولا بد من إيجاد البديل في أسرع وقت، يضاف إلى ذلك رغبة المملكة في أن تشارك دول العالم الأول تجاربها وأبحاثها في قطاع الطاقة المتجددة، وتحقيق جانب “الريادة” فيه، مثلما تحقق لها هذا الأمر في قطاع النفط.
وبرغم ارتفاع أسعار النفط في أسوق الطاقة العالمية، وتجاوزه حاجز الـ60 دولاراً؛ وهو مؤشر جيد لاقتصاد المملكة؛ إلا أن هذا لم يُثنها عن الاستمرار في توجهاتها بتنشيط مشاريع الطاقة المتجددة، وتشجيع قطاع الأعمال والأفراد على المشاركة في مشاريع الطاقة المتجددة.. وخلال السنوات القليلة الماضية، شَهِدت المملكة تحركاً رسمياً غير محدود، في الدفع بمشاريع الطاقة البديلة؛ وفق خطط مدروسة، تُساهم -في نهاية المطاف- في تأمين 50% من احتياجات المملكة من الطاقة، من مصادرها البديلة، بينها إنتاج 1950 “ميجاواط” في الطاقة الشمسية وحدها.
وأعلنت رؤية المملكة 2030، أن أحد أهدافها الرئيسية، يتركز على طي صفحة الاعتماد على دخل النفط، واعتبارها شيئاً من الماضي، وبدء “عصر ما بعد النفط”؛ خاصة بعد تقلبات أسعار البترول في السنوات الأربع الماضية، وتراجعه إلى أكثر من 55%؛ مسبباً المزيد من الاضطربات والارتباك في ميزانيات الدول المنتجة للنفط، وعلى رأسها دول الخليج العربي.
ويولي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -بصفته رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى وعراب رؤية 2030- اهتماماً كبيراً بكل ما يعزز الاقتصاد السعودي، وفي مقدمة ذلك مشاريع الطاقة المتجددة؛ وعلى رأسها الطاقة الشمسية، والطاقة النووية، ويؤمن سموه بأن المملكة لديها إمكانات كبيرة كامنة وظاهرة، تنتظر من يكتشفها، ويستطيع التعامل معها بشكل جيد؛ مشدداً على أهمية الابتكار والتحديث في قطاع الطاقة، والوصول إلى اختراعات تقلل من استخدام الطاقة، وترشدها بشكل يقلل من حجم الاستهلاك المحلي، الذي ينمو بمعدل 5% سنوياً؛ وهو ما يشكّل خطراً على حجم النفط الذي تصدره المملكة.
وتحملُ الرؤيةُ الكثيرَ من المفاجآت في مشاريع الطاقة المتجددة، وسيساهم مشروع “نيوم” الذي أعلن عنه سمو ولي العهد قبل أيام، بمشاريع علاقة في الطاقة والتقنية؛ وهو ما يقلل من درجة الاعتماد على النفط، ويعلي من شأن مصادر الطاقة النظيفة في المملكة.
وتسعى المملكة من خلال مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، إلى تفعيل وتطوير منظومة اقتصادية مستدامة للطاقة البديلة؛ من خلال إضافة مصادر الطاقة الذرية والمتجددة إلى مصادر الطاقة النفطية، والتي يتم استهلاكها في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه المالحة. وقد أعلنت المدينة -في وقت سابق- مقترحاتها حول مصادر الطاقة المستدامة، والسعة المستهدفة لكل منها، والتي سيتم إحلالها تدريجياً وحتى الوصول إلى 50% من احتياجات المملكة للطاقة بحلول عام الرؤية. وتقود المدينة حالياً توجّه المملكة بتفعيل مشاريع الطاقة البديلة، وأعلنت عن حزمة من المشاريع في إطار اهتماها بقطاع الطاقة المتجددة؛ ومنها المشروع الوطني لقياس مصادر الطاقة المتجددة على مستوى المملكة (الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وطاقة تحويل النفايات، وطاقة باطن الأرض)، بالإضافة إلى جمع القراءات الأرضية بنحو شمولي من مواقع مختلفة بالمملكة؛ وذلك لبناء قاعدة بيانات يستفاد منها في تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، لإنتاج الكهرباء، وتحلية المياه، وأيضاً للاستفادة منها من النواحي البحثية لتطوير التقنيات والحلول المناسبة لأجواء المملكة ومناخها المختلف في مناطقها المختلفة.
وتعمل مدينة الملك عبدالله مع العديد من الجهات الوطنية؛ مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والجامعات والكليات، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، والشركة السعودية للكهرباء، والشركة السعودية لنقل الكهرباء، والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وغيرها من الجهات التي من المتوقع أن تكون المستفيد الأكبر من مشاريع الطاقة المتجددة.
وتشهد المملكة حالياً إقبالاً كبيراً من الجهات الراغبة في الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، وسيتضح ذلك من خلال عدد الشركات التي ستتقدم للمناقصات المقبلة التي ستطرح خلال الأعوام المقبلة، وأصدرت وزارة الطاقة والثروة المعدنية طلبَ تقديم التأهيل لدى الشركات الراغبة في الاستثمار في هذا المجال. ويتم خلال العام الجاري (2017) طرح 700 ميغاواط للاستثمار في الطاقة المتجددة، وستقسم على عدد من المشاريع الصغيرة، تتراوح حصتها بين 50 و100 ميغاواط، ومن المتوقع أن يصل عدد المشاريع التي ستُطرح العام ذاته إلى 10 مشاريع.
وأصدرت هيئةُ تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج أولَ رخصة من نوعها في السعودية لصالح شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو) في محافظة طريف شمال المملكة؛ لمزاولة نشاط توليد الطاقة الكهربائية باستخدام أحد أشكال الطاقة المتجددة وهي طاقة الرياح. يضاف إلى ذلك، قيامُ السعودية بالتخطيط لتصبح أكبر سوق في المنطقة على مدار السنوات القليلة المقبلة، لإنتاج الطاقة الشمسية؛ حيث خصصت الرياض مؤخراً نحو 108 مليارات دولار لإطلاق مشاريع عملاقة يُتوقع أن تنتج كميات ضخمة من الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية.
وأعلن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، المهندس خالد الفالح، إطلاق مشروعين للطاقة المتجددة، وطرحهما للمستثمرين المحليين والعالميين خلال العام الحالي (2017)، بقدرات وصَفَها بأنها “ستكون الأكبر في المنطقة، ونتوقع مشاركة عالمية فيها”.
وستتمكن السعودية من تشغيل محطات للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية عالية بحلول عام 2032، وهي المشاريع التي من المفترض أن تلبي أكثر من 30% من حاجات البلاد من الكهرباء، ويؤكد خبراء أنه على الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها السعودية عن طريق مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وبعض الجامعات بهدف الاستفادة القصوى من الطاقة الشمسية؛ فإن النتائج مرضية، وتبشر التوقعات المستقبلية بالخير.
ويضمن نجاح المملكة في مشاريع الطاقة المتجددة، وبخاصة الطاقة الشمسية، تعزيزَ الدخل القومي للبلاد؛ خاصة أن العديد من علماء الطاقة يرون أن الشمس الساطعة على الربع الخالي، كفيلةٌ بتأمين احتياجات العالم من الطاقة، إذا كانت مشاريع الطاقة الشمسية مرتفعة الثمن في وقت سابق؛ فإنها شهدت تراجعاً كبيراً في الأسعار خلال الفترة الأخيرة؛ مما يعزز هذه المشاريع ويساعد على انتشارها؛ ليس على مستوى الشركات الكبيرة فحسب؛ وإنما على مستوى الأفراد والمنازل أيضاً.