باحثون أميركيون يقدمون «أدلة» تدين بكين في أزمة «كورونا»
منذ بدأ الجدل الذي أثاره الرئيس الأميركي دونالد ترمب أكثر من مرة بحديثه حول تسرب فيروس «كورونا» المستجد من مختبرات ووهان، وهناك أدلة تظهر من حين لآخر تنفي أو تؤكد هذه المعلومات.
وبينما كان الحديث عن ظهور الفيروس في وقت مبكر يتحدث عن شهر ديسمبر (كانون الأول) 2019، قبل أن يتم الإعلان عنه رسميا من قبل منظمة الصحة العالمية في نهاية الشهر نفسه قدمت دراسة أميركية حديثة استخدمت الأقمار الصناعية عدة دلائل على ظهوره في شهر أغسطس (آب) الماضي.
وبالتزامن مع هذا الدليل الذي يركز على الوقت، استبعد ميلتون لايتنبرغ الباحث المشارك في «مركز الدراسات الدولية والأمنية» في جامعة ميريلاند الأميركية، أن يكون تسرب الفيروس قد حدث من سوق ووهان للحيوانات البرية، وهو السيناريو الذي تبنته السلطات الصينية في بدايات الجائحة، وذكر أدلة استندت على دراسات صينية وتصريحات مسؤولين صينيين تشير إلى إمكانية تسربه بشكل غير مقصود من مختبرات ووهان.
يقول لايتنبرغ في مقال نشره في 4 يونيو (حزيران) الجاري بموقع «بوليتين أوف أتوميك ساينس» المعني بالعلوم وقضايا الأمن العالمي الناتجة عن تسريع التقدم التكنولوجي، إن الضربات الأكثر ضررا للجهود المبذولة للحصول على إجابة عن أصل «تفشي» الفيروس هي تصريحات ترمب ووزير خارجيته.
واعتبر أن ترمب «لم يفعل شيئا لمدة شهرين في مواجهة وباء قاتل، ونفى بشدة التحذيرات الاستخباراتية من الخطر الوشيك وشوهها، وربما لهذا السبب فإن تصريحاته حتى لو كانت صحيحة لا تحظى بالمصداقية الكافية».
وأوضح لايتنبرغ أنه عند الحديث عن أدلة للتسرب من المختبرات يجب أن نأخذ في الاعتبار أن هناك معهدين للفيروسات في ووهان وهما: مركز ووهان لمكافحة الأمراض والوقاية منها (WHCDC) ومعهد ووهان للفيروسات (WIV) ، وكلاهما قام بمشاريع كبيرة حول فيروسات الخفافيش الجديدة وحافظا على مجموعات كبيرة من هذه الفيروسات، وعلى الأقل امتلك معهد ووهان للفيروسات، الفيروس الذي هو أكثر الفيروسات المعروفة ارتباطا في العالم بفيروس الفاشية، وهو فيروس الخفافيش ( RaTG13 ) والذي تم عزله عام 2013 ونشر جينومه بحثيا في 23 يناير (كانون الثاني) 2020.
ولفت إلى أن أحد عناصر مشروع فيروس الخفافيش الجديد في معهد ووهان للفيروسات تضمن إصابة حيوانات المختبر بفيروسات الخفافيش، لذلك فإن احتمال وقوع حادث في المختبر قائم، كأن ينتقل فيروس الخفاش إلى أحد العاملين بالمختبر، أو ينتقل فيروس الخفاش إلى حيوان المختبر ثم إلى عامل المختبر، أو أن التخلص غير السليم من حيوانات المختبر أو مخلفات المختبر يتسبب في نقل الفيروس.
وذكر لايتنبرغ ثمانية أدلة موثقة تشير إلى أن مشاريع فيروسات الخفافيش الجديدة استخدمت معدات للحماية الشخصية ومعايير للسلامة البيولوجية من شأنها أن تشكل خطرا كبيرا، ومن بين الأدلة التي قدمها اعتراف الحكومة الصينية الرسمية في وقت مبكر بوجود قصور في السلامة بالمختبرات، فبعد أسابيع من تفشي المرض في ووهان شدد الرئيس الصيني شي جينبينغ في فبراير (شباط) 2020 على ضرورة ضمان «السلامة البيولوجية والأمن البيولوجي للبلاد».
وأعقب ذلك على الفور، الدليل الثاني الذي قدمه لايتنبرغ وهو إعلان وزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية عن إرشادات جديدة بالنسبة للمعامل، خاصة في التعامل مع الفيروسات، وفي نفس الوقت تقريبا، نشرت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية مقالاً حول «مشكلات الإدارة غير الكافية في المختبرات، بما في ذلك مشاكل النفايات البيولوجية»، وهو الدليل الثالث الذي يقدمه الباحث الأميركي في مقاله.
أما الدليل الرابع، فذلك الذي يتعلق برسالة بعثتها مديرة معهد ووهان للفيروسات، ياني وانغ إلى زملائها في 1 يناير، مضمونها أن اللجنة الوطنية للصحة أخبرتها بحظر نشر بيانات المختبر حول الفيروس الجديد على مواقع التواصل الاجتماعي وعدم الكشف عنها لوسائل الإعلام، وأرسلت اللجنة في 3 يناير وثيقة، لم تنشر على الإنترنت مطلقا، ولكن تم حفظها من قبل الباحثين، وتضمنت الوثيقة مطالبة المختبرات بتدمير عينات الفيروس أو إرسالها إلى مؤسسات الإيداع المعينة من قبل الدولة، وفي وقت متأخر من الجمعة 16 مايو (أيار) 2020 اعترفت الحكومة الصينية بالتدمير، لكنها قالت إن ذلك كان من أجل السلامة العامة.
وتضمنت الأدلة الأربعة الباقية تصريحات لعلماء صينيين تشير إلى أن تسرب الفيروس يظل احتمالا قائما، ودراسات حول طبيعة أبحاث معهد ووهان للفيروسات حول تحديد الفيروسات التي تحمل بروتينات قادرة على الارتباط بمستقبلات الخلايا البشرية، وتعجب بعض الباحثين الصينيين في دراسة نشرت بموقع «بيوركسيف» من إرجاع الحكومة الصينية بشكل سريع مصدر الفيروس لسوق ووهان وهو سلوك غير معهود للغاية لدرجة أنه «أثار الشكوك في أذهانهم».
وبعيدا عن مصدر الفيروس، فإن توقيت انتشاره أيضا كان محل جدل، حيث تتهم أميركا الصين بعدم الإعلان عن الفيروس فور ظهوره، مما تسبب في تحوله لجائحة عالمية.
وأظهرت دراسة جديدة لباحثين في كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية، من خلال صور للأقمار الصناعية لمواقف السيارات في المستشفيات بمدينة ووهان الصينية، وكذلك اتجاهات البحث على الإنترنت، أن «فيروس (كورونا) المستجد انتشر بالصين في وقت مبكر من أغسطس الماضي، وهو ما يتعارض مع الرواية الصينية الرسمية التي تؤكد تفشي الوباء في ديسمبر».
ورصدت الدراسة التي نشر أمس موقع شبكة «سي إن إن» تفاصيلها، ارتفاعاً كبيراً في أعداد السيارات في مواقف السيارات الخاصة بـ 5 مستشفيات في أواخر صيف وخريف العام الماضي 2019، مقارنة بالعام السابق.
بالإضافة إلى زيادة سريعة في عمليات البحث عن الكلمات الرئيسية المرتبطة بـ«مرض معد» في محرك البحث الصيني «بايدو».
بدوره، قال جون براونشتاين، قائد الفريق البحثي بالدراسة: «استخدمنا هذه التقنية في السنوات الماضية، حيث أظهرنا أن المستشفيات في أميركا اللاتينية أصبحت مشغولة للغاية خلال موسم الإنفلونزا، وهذا الدليل يضيف نوعاً ما إلى مجموعة متزايدة من الأدلة على أن شيئاً ما كان يحدث قبل الاعتراف به رسميا».
ويبقى نفي أو تأكيد هذه الأدلة رهنا باستجابة الصين لدعوة منظمة الصحة العالمية لإجراء تحقيق دولي حول هذا الأمر.
وطالبت أكثر من 100 دولة خلال الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة بإجراء تحقيق، وفي تعليقه على هذا الطلب قال الرئيس الصيني خلال الاجتماع في 18 مايو الماضي إن بلاده «تؤيد فتح تحقيق ولكن بعد السيطرة على (كورونا)».