” التنور ” يحتفظ بموقعه في بيوت عسير ويستبدل الحطب بالغاز
مهما تغيرت العادات وفرضت الحياة العصرية إيقاعها يبقى شهر رمضان المبارك أفضل فرصة للعائلات في منطقة عسير للعودة إلى أجواء التراث والتمتع بالأكلات الشعبية التي تصنع في أدوات تقليدية مثل “التنور” الذي يسمى محليا “الميفا”، لكن صناعة التنور نفسه مر بتحولات عديدة في العقدين الأخيرين، فبعد أن كان منذ آلاف السنين يصنع من الطين ذي المواصفات الخاصة، دخل التنور الذي يعمل بالغاز الصناعي على خط المنافسة بشكل كبير، وأصبح أحد أهم الخيارات للأهالي سواء في القرى أوالمدن.
ويصنع تنور الفخار التقليدي من مواد مصدرها الطبيعة بشكل كامل وذات مواصفات خاصة أهمها الطين الذي يتميز باحتوائه على معادن معينة تساعد في صلابة التنور بعد الصناعة وتحمل أقصى درجات الحرارة وسهولة استخراج الخبز بعد النضج دون التصاق بالجدار الفخاري .
وبعد خلط الطين ببعض الأعشاب تبدأ مرحلة تشكيل التنور بطريقة اسطوانية متدرجة ومتماسكة ، تليها مرحلة التجفيف التي قد تستمر عدة أيام ،قبل أن ينقل الهيكل الطيني للتنور إلى فرن حراري خاص بهذه الصناعة العريقة ، لزيادة الصلابة ولإطالة عمر الاستخدام.
وبعد سيطرة التنور الحديث الذي يعمل بالغاز ، تلاشت إلى حد كبير الطرق التقليدية ، ولم يعد استخدام الطين في الصناعة شائعا ، حيث يتشابه التنور الغازي مع الطيني في المظهر العام وطرق الاستخدام ، لكن التنور الغازي يتكون غالبا من صفائح الحديد الأسطوانية ذات طبقتين مرتبطتين بتمديدات للغاز .
ويتميز هذا النوع بخفة الوزن وسهولة نقله من موقع لآخر ، وقصر الوقت الذي يحتاجه لبلوغ درجة الحرارة المناسبة لإنضاج الخبز أو أي مأكولات أخرى ، بعكس التنور الفخاري الذي يحتاج إلى كميات معينة من الحطب ووقت أطول ليكون جاهزا لوضع أقراص العجين داخله بطريقة المسح على الجدار الداخلي للتنور في درجات حرارة عالية ، ثم الإغلاق بغطاء خاص مع وضع قطعة قماش تمنع تسرب الحرارة ، ويترك لمدة تتراوح بين 20 و 30 دقيقة .
وتعد الذرة الرفيعة أشهر المحاصيل الزراعية التي يُنتج منها خبز التنور، وتوجد منها أنواع عديدة من أشهرها “الزعر” و”البيضاء” و”البجيدة” وهي الأنواع الثلاثة التي يصنع منها خبز “الخمير” المصنوع في التنور” الميفا”، وهو الخبز الأشهر في منطقة عسير منذ مئات السنين ، ويتميز بلونه المائل للأحمر ومذاقه اللذيذ خاصة في حال تناوله مع لحم “الحنيذ” والسمن البلدي .
كذلك تشتهر إلى جانب الذرة المحلية حبوب “الدخن” و”البُر” التي تعد أقراصها ذات جودة غذائية عالية.
ولا يقتصر استخدام التنور ” الفخاري والغازي” على صناعة الخبز بأنواعه ، بل يمكن استخدامه في إعداد بعض الأكلات الشعبية التي تشتهر بها المناطق الجنوبية للمملكة .