قصة نجاح صنعها “صقر قريش” بعد عبور البحر وحيدًا ليؤسس دولة الإسلام
في 15 رمضان 138هـ، الموافق 20 فبراير 756م، عَبَرَ عبدالرحمن الداخل، المعروف بـ”صقر قريش”، البحر إلى الأندلس؛ ليؤسس دولة إسلامية قوية، هي الدولة الأموية في الأندلس، التي أسسها عبدالرحمن بن معاوية الأموي في الأندلس، وأجزاء من شمال إفريقيا، وكانت عاصمتها قرطبة، وتحولت إلى خلافة بإعلان عبدالرحمن الناصر لدين الله نفسه في ذي الحجة 316 هـ/ يناير 929م خليفة قرطبة بدلاً من لقبه السابق أمير قرطبة، وهو اللقب الذي حمله الأمراء الأمويون منذ أن استقل عبدالرحمن الداخل بالأندلس.
وتأسست هذه الدولة نتيجة سقوط الدولة الأموية على يد بني العباس، الذين سعوا بعد قيام دولتهم لملاحقة بني أمية، وقتلهم؛ لذلك فقد فرَّ الكثير منهم بعيدًا محاولين النجاة بأنفسهم. وقد كان من بين هؤلاء عبدالرحمن الداخل الذي فرَّ إلى الأندلس بعد رحلة شاقة؛ ليعلن استقلاله بها. وقد تمكن الأمويون من البقاء، وأسسوا دولتهم الجديدة في الأندلس، وظلوا يحكمونها زهاء ثلاثة قرون.
وعُرف عبدالرحمٰن بن معاوية باسم “عبدالرحمٰن الداخل”؛ كونه “دخل”، أي هاجر إلى الأندلس. ومنذ أن تسلم الحكم دخل المسلمون في الأندلس في عهد جديد، وبدأت السير في طريق اكتساب الحضارة، وأضحت بلدًا إسلاميًّا مستقلاً عن الخلافة العباسية في المشرق، بعد أن كانت خاضعة لمركز الخلافة في العهد الأموي، ولم تحاول الدولة العباسية جديًّا إعادتها إلى حظيرتها. ويبدو أن انفصالها النهائي عنها لم يشكِّل خطرًا حقيقيًّا مباشرًا على كيانها، إضافة إلى أنها استمرت في حَمْل الرسالة الإسلامية، ولا يدعو ذلك بالضرورة للمواجهة المباشرة، غير أنه جرت محاولات عابرة، قام بها العباسيون لإعادتها إلى حظيرة الخلافة، لكنها لم تحقق شيئًا.
وتميزت الدولة الأموية في الأندلس بنشاط تجاري وثقافي وعمراني ملحوظ؛ حتى أصبحت قرطبة أكثر مدن العالم اتساعًا بحلول عام 323 هـ/ 935م. كما شهدت تشييد الكثير من روائع العمارة الإسلامية في الأندلس، منها الجامع الكبير في قرطبة. كما شهدت فترة حكم الأمويين نهضة في التعليم العام، جعلت عامة الشعب يجيدون القراءة والكتابة في الوقت الذي كان فيه عِلية القوم في أوروبا لا يستطيعون ذلك.
وبسبب الاستمرار في الاتجاه الذي أرساه عبدالرحمن الداخل خطت الدولة الأموية في الأندلس خطوات واسعة في التقدُّم والرقي والازدهار الحضاري، ونافست قرطبة بغداد عاصمة الدولة العباسية، والقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، وأسهم العلماء الأندلسيون بتقدم مختلف أنواع العلوم في ذلك الوقت.
وتحولت الدولة الأموية في الأندلس من الإمارة إلى نظام الخلافة على يد عبدالرحمٰن الناصر لدين الله، القائل إن الخلافة بوصفها مؤسسة دينية ودنيوية لا يمكن أن تتجزأ حسب المفاهيم السائدة في ذلك الوقت، إلا أنه وضع هذا العمل في موضع الاجتهاد.
وأجاز الفقهاء والعلماء السُّنة تعدُّد الخلافة في حال وجود مصلحة عامة للمسلمين، واعترفوا بشرعية وجود إمامَيْن يتوليان حكم المسلمين في وقت واحد، شرط أن تكون المسافة بينهما كبيرة حتى لا يحصل التصادم بينهما.
ومن الأسباب الواقعية التي دفعت عبدالرحمٰن الناصر إلى إعلان الخلافة ضَعْف الدولة العباسية.
وقد استمرت الدولة الأموية في الأندلس رسميًّا حتى عام 422 هـ/ 1031م، وهو وقت سقوط الخلافة، وتفكُّكها إلى عدد من الممالك بعد حرب أهلية بين الأمراء الأمويين الذين تنازعوا الخلافة فيما بينهم؛ وهو ما أدى بعد سنوات من الاقتتال إلى تفكُّك الخلافة إلى عدد من الممالك المستقلة.