خطيب المسجد النبوي: بلاد الحرمين قامت على الإسلام دستوراً وتعظيم السنة وإنكار البدع
أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ، على حبّ البلاد وحمايتها من كل مخطط يريد الإضرار بمصالحها الدينية والدنيوية، وقال إنه أمرٌ أقرته شريعة الإسلام، لينعم المرء بالاستقرار في بلده آمناً على نفسه وأهله وذلك من أجلّ وأعظم نعم الله على عباده.
جاء ذلك في خطبة الْجُمُعَة التي ألقاها اليوم، وقال: إن من أثمن الأشياء عند أهل الفطر السليمة حبّ البلاد التي ولدوا فيها، وعاشوا على ثراها، وأكلوا من خيرات الله جلّ وعلا فيها، وهذه الحقيقة قد أقرّتها شريعة الإسلام، وأحاطتها بحقوق وواجبات، رعاية لمصالح الدين والدنيا معاً، فقد اقترن حبّ البلاد والديار عند الإِنْسَان بحبّ النفس، كما هو وصف القُرْآن العظيم يقول جلّ وعلا “وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ”.
وأَضَافَ قَائِلاً: في قضية حبّ الديار ومحبة البلاد يخاطب النبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّة الْمُكَرَّمَة بحزن وشوق فيقول: “ما أطيبك من بلد وما أحبّك إِلَي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما سكنت غيرك” رواه الترمذي، وعندما أراد الله جلّ وعلا له الهجرة إلى المدينة وعاش في أرضها وأقام، وتنوّرت برسالته، قَالَ صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معبّراً عن كونها بلداً أًبحت مقر إقامته “اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا مَكَّة أو أشدّ”.
وأَوْرَدَ ما جاء في كتاب الله الحكيم في وصف خيرة خلق الله بعد الرسل بقوله جلّ وعلا واصفاً الصحابة المهاجرين من مَكَّة إلى المدينة “لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ”.
وبيّن فضيلته أن من أعظم نعم الله على العبد استقراره في بلده آمناً على نفسه وأهله، عابداً ربه مطيعاً لخالقه، يقول صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا” رواه الترمذي.
وَأَشَارَ إلى أن حبّ الديار في الإسلام يعني الالتزام بقيم فاضلة مبادئ زاكية، كما يعني التعاون على جلب كل خير وصلاح للبلاد وأهلها، ودفع كل فساد وعناء عن الديار وساكنيها، ويقول جل وعلا: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”.
ولفت الانتباه إلى أن حبّ البلاد يقضي بأن يعيش كل فرد مع إخوانه في بلاده بمحبة وتواد وتراحم وتعاطف استجابة لقوله عَزَّ وَجَلَّ: “إنما المؤمنون إخوة” ولقوله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر” متفق عليه.
وأَوْضَحَ آل الشيخ أن حبّ الديار يبعث على التواصي بالبر والتقوى، والتناصح على ما فيه خير الديار وإعمار الدار، مستشهداً بقول الله جلّ وعلا: “إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ”، ويقول رسول الله صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الدين النصيحة، قَالُوا لمن يا رسول الله؟ قَالَ: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم” رواه مسلم.
وَشَدَّد إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ على أن الحبّ البلاد يقتضي الدفاع عن دينها وعن منهجها وعن ثوابتها، والدفاع عن أرضها ومقدراتها، كلّ حَسْبَ قدرته وطاقته ومسؤوليته، لقول الله جلّ وعلا: “قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا” وقول رسوله صلى عليه وسلم: “من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قاتل دون نفسه فهو شهيد” رواه الترمذي وأبو داوود.
وقال: إنه الحبّ للبلاد الذي يلزم أَفْرَاد المجتمع أن يتصدوا لكل مخطط ينال من مقدرات البلاد ومصالحها الدينية والدنيوية معاً، قَالَ صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”.
وبين فضيلته أن المنكرات والوسائل والمخططات التي تنال من عقيدة البلاد وثوابتها، أو تنال من مقدراتها وخيراتها، أو تزعزع أمنها واستقرارها، وحبّ المسلم لدياره، يجعله ملزماً لأن يحبّ لبلاده وولاتها وأهلها ما يحبّ لنفسه وأن يرعى مصالحها كما يحبّ ويرعى مصالحه الخَاصَّة ومنافعه الذاتية.
وأَوْضَحَ آل الشيخ أن من مفاهيم حبّ البلاد في الإسلام أن يحرص كل فرد من أَفْرَاد المجتمع على كفّ الأَذَى والضرر عن البلاد وأهلها، ففي صحيح السنّة من حقوق الطريق إماطة الأذى، كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه في التحذير من وضع الأَذَى في أفنية الناس وطرقهم ومنافعهم، كما جاء في قول النبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”.
وَأَكَّدَ فضيلته أن من حقوق البلاد وأهلها على أَفْرَاده أن يحذر المسلم من الخيانة لبلاده ولولاتها ولمجتمعها، مُشِيرَاً إلى أن أقبح صور الخيانة استغلال الوظائف والمناصب للمصالح الشخصية، ومن أقذر أشكال ذلك الفساد بشتى أنواعه خَاصَّة الفساد المالي الذي جاءت النصوص بالتحذير منه لقول النبي عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: “ومن يغلل يَأْتِي بما غلّ يوم القيامة” كما قَالَ صلى لله عليه وسلم: “إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة” رواه البخاري.
كما أكَّدَ فضيلته أن من حقّ البلاد علينا التعاون مع من ولاه الله، بالعمل الصادق معهم في الظاهر والباطن، وأن نعلم أن طاعتهم في غير معصية واجب من واجبات الشريعة الإسلامية، وأن يحرص كلٌ منا على لمّ اللحمة ووحدة الصفّ، وجمع الكلمة، وأن يكون الجميع مجنّدين لحماية البلاد من كل مخطط يهدف للإضرار والإفساد، فاتقوا الله جلّ وعلا وقوموا بواجبكم تجاه بلادكم يتحقّق الأمن والاستقرار.
وقال آل الشيخ: إذا تقرّر أن حبّ الوطن أمرٌ أقرته شريعة الإسلام، فكيف ببلد يضمّ بين جغرافيته الحرمين الشريفين، والبيتين الكريمين، إنها بلاد الحرمين التي قامت على الإسلام منهجاً ودستوراً، وعلى عقيدة التوحيد قلباً وقالباً، تحكم محاكمها بالشرع المطهّر، بلد عاش أهلها على السنة وتعظيمها، وإنكار البدع ومدافعتها، فواجبٌ على أهلها وهم ينعمون بالنعم الوافرة أن يتعاونوا على ما فيه سلامة أمن هذه البلاد، وأن يقفوا بالمرصاد لكل مخرّب ومغرّر، لا سِيَّمَا في ظل هذه الظروف العصيبة التي تعصف بالعالم كله، دَاعِيَاً الجميع إلى المحافظة على استقرار الأمن، وحماية البلاد من الفتن المتنوعة، مُحَذِّرَاً من دعاة الشر والفساد ووسائل التفريق والتمزيق والتشرذم، لقوله تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا”.
وحثّ إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ الشباب على التمسّك بما عرفت به هذه البلاد من منهج السنّة الواضح الصافي النقيّ، الذي لا يقرّ فيه التطرف ولا الغلو، ولا يعرف فيه منهج بدعي أو فكر منحرف مما يخالف ما قامت عليه هذه البلاد من قيم إسلامية، وأَخْلَاق شرعية، ومناهج عاش الناس فيها لحمة واحدة متعاونين على كل خير، متآلفين على النافع والصالح للبلاد والعباد، وَفْقَ التعاون الصادق المخلص مع ولاة أمرها، لتحقيق المصالح المرجوّة، ودرء المفاسد المتوقعة، وأن لا يغيروا ما أنعم الله به عليهم فيغير الله حالهم، كما قَالَ سبحانه: “وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدَاً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ”.