أسواق رأس المال تغلق أبوابها أمام صناعة النفط الصخري
مجرد الحفاظ على مستوى إنتاج النفط الصخري ثابتا يتطلب حفر مزيد من الآبار باستمرار، وكان من المتوقع حفر أكثر من 14 ألف بئر هذا العام
عشرة أعوام من عمليات الحفر في مناطق النفط الصخري أدت إلى تغيير مشهد الطاقة في الولايات المتحدة. زاد إنتاج الدولة من النفط أكثر من الضعف، ما قلل اعتمادها على الإمدادات الخارجية، بينما الإمدادات الوفيرة من الغاز الطبيعي الرخيص أغرت محطات توليد الكهرباء لتتحول عن الفحم القذر وساعدت على تقليص انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة
إنتاج النفط الأمريكي الذي لم يتجاوز 5.5 مليون برميل يوميا في عام 2011، أصبح الآن الأعلى في العالم بحجم يبلغ 13 مليون برميل يوميا. انتشرت خطوط الأنابيب وغيرها من البنية التحتية عبر ساحل خليج المكسيك لدعم تجارة تصدير النفط المتزايدة. لو كانت الولايات المتحدة عضوا في منظمة أوبك لكانت من بين أكبر الدول المصدرة في المنظمة
لكن هذه الثورة مهددة، بعد دفع شركات الحفر الأمريكية إلى الخط الأمامي في حرب أسعار جديدة اندلعت في أوائل آذار (مارس) في المقر الرئيسي لمنظمة أوبك في فيينا – وهي معركة نشبت تماما في الوقت الذي وصل فيه وباء فيروس كورونا ليحدث شللا في الطلب العالمي على النفط
صدمة الأسعار الأخيرة التي خفضت سعر النفط أكثر من النصف منذ بداية العام ليهبط إلى أقل من 30 دولارا للبرميل، عملت أيضا على تعرية قطاع النفط الصخري الذي يعتمد على التدفق النقدي المستمر وثقة المستثمرين المتضائلة
النفط الصخري يتسم بوضع غير مألوف في قطاع النفط يعود إلى معدلات تراجع إنتاجه العالية: البئر الأنموذجية تنتج بشكل ثابت لمدة عام قبل أن ينخفض إنتاجها بشكل حاد في العام الثاني ومن ثم يستقر في معدل تدفق متواضع ومتناقص بعد ذلك
مجرد الحفاظ على مستوى إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ثابتا عاما بعد عام، ناهيك عن زيادته، يتطلب حفر مزيد من الآبار باستمرار. من بين أكثر من 14 ألف بئر جديدة كانت متوقعة هذا العام، إنتاج 85 في المائة منها كان سيساعد على مطابقة مستوى الإنتاج في العام الماضي. وكان من المتوقع أن يكلف كل ذلك الحفر في عام 2020 أكثر من 100 مليار دولار، وفقا لشركة ريستاد إينرجي الاستشارية
لكن محللين يشيرون إلى أن تلك الخطط تم وضعها قبل اندلاع حرب الأسعار في سوق النفط وبدء وباء فيروس كورونا في تقليص الطلب العالمي – وسيتقلص في الأشهر المقبلة. يقول مات بورتيلو، العضو المنتدب في بنك تيودور بيكرينج هولت آند كو الاستثماري في هيوستن، إن سعر مؤشر النفط عند 50 دولارا أو أقل للبرميل سيؤدي إلى تخفيضات في النفقات الرأسمالية وانخفاض في إنتاج النفط الأمريكي في غضون ستة أشهر
شركات حفر النفط الصخري، مثل “دايموندباك إينرجي” و”بارسلي إينرجي”، قادت الصناعة إلى الإعلان منذ الآن عن تخفيضات شاملة في خطط الحفر، بينما الشركة المنافسة الأكبر “أوكسيدنتال بتروليوم” خفضت أرباح أسهمها الثمينة
يقول فرانسيسكو بلانش، رئيس أبحاث السلع العالمية في “بانك أوف أمريكا ميريل لينش”: “انتهى الأمر في الوقت الحالي”، مضيفا أن أسواق رأس المال موصدة حاليا أمام قطاع النفط الصخري
بسعر 30 دولارا للبرميل، تعتقد شركة ريستاد أن الإنفاق الرأسمالي العام المقبل سينخفض 70 في المائة ليصل إلى نحو 30 مليار دولار. سيكون بالإمكان حفر أقل من خمسة آلاف بئر وسينخفض الإنتاج أكثر من مليوني برميل يوميا. وبحسب بنك جولدمان ساكس، الإنتاج سيبدأ في الانخفاض في الربع الثالث من هذا العام
التأثير قصير الأجل في الولايات المنتجة للنفط سيكون كبيرا، لأن الحفارات ستكون واقفة عن العمل، ويتم تسريح الأطقم العاملة عليها، وإشغال الفنادق ينخفض، والمطاعم تغلق، ما يضاعف الصدمة الاقتصادية الأوسع المتوقعة من وباء فيروس كورونا
شهد النفط الصخري حرب أسعار من قبل ونجا. كان ذلك في 2015-2016، عندما شهدت السوق زيادة في الإنتاج وتراجعا في الأسعار. بعد ذلك انخفض الإنتاج الأمريكي مليون برميل يوميا. لكن شركات إنتاج النفط الصخري الأضعف خرجت من السوق، بينما الشركات الأكثر كفاءة من حيث التكلفة أصبحت متخلفة عن الركب
عندما انعكس المسار وتراجع العرض في عام 2017 لدعم الأسعار، عاد قطاع النفط الصخري إلى الحياة، مضيفا أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا في الأعوام التالية
لكن هذه المرة قد تكون مختلفة لثلاثة أسباب. الأول هو فيروس كورونا الذي أدى ـ من خلال القضاء على ملايين البراميل من الطلب اليومي هذا العام ودفع أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياتها منذ عدة أعوام ـ إلى تحطيم نماذج الأعمال لشركات الإنتاج التي تتميز بكثافة رأس المال، مثل تلك التي في مجموعة منتجي النفط الصخري
ثانيا، قد تثبت روسيا أنها خصم أقوى لمنتجي النفط الصخري. دافع موسكو هو الغضب من العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الخاص بها والرغبة في استعادة حصتها السوقية. تقول الحكومة الروسية إن احتياطياتها المالية تسمح لها بتحمل سعر أقل من 30 دولارا للبرميل لمدة تصل إلى عقد من الزمن، بالتالي هي معركة قد تستمر لفترة أطول بكثير من الفيروس
السبب الثالث هو وول ستريت. كان المستثمرون الأمريكيون غير سعداء بالفعل من أنموذج أعمال النفط الصخري والآفاق طويلة الأجل للوقود الأحفوري قبل وقت طويل من الانهيار الأخير في أسعار النفط
كثير من المقرضين يقولون إنهم لن يعودوا حتى وإن انتعشت أسعار النفط. وفقا بورتيلو: “هذه الصناعة مدمنة على الوصول إلى رأس المال (…) الذي قاد النمو غير الاقتصادي خلال العقد الماضي”
تقول وكالات التصنيف إن كثيرا من شركات النفط الصخري الأمريكي ستصطدم قريبا بجدار من الديون، مضيفة أن مخاطر الإفلاس في مجموعة منتجي النفط الصخري ارتفعت بشكل حاد
لا تزال الشركات الكبرى، مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون”، تخطط لزيادات كبيرة في إنتاج النفط في حوض بيرميان في تكساس في الأعوام المقبلة. من المرجح زيادة الاندماج في القطاع المتعثر والشركات التي تظهر من جديد ستكون أكثر كفاءة. لكن المنافسين الأجانب في عالم النفط – ومؤيديه المتضررين في وول ستريت – لن يسمحوا لهذا القطاع بالارتفاع على هواه دون تدقيق مرة أخرى