مالك شغل!
تعاني بعض الألسنة من تخمة الألفاظ الخائبة، وقد تتكبد بعض العقول من ضيق الأفكار السائبة، وقد تتأثر القلوب من صفعة العواطف النائبة، حين تجد المكوّن لهذا الشخص، أو ذاك فقط كتلة جسم تطأ الأرض بلا قيمة لذاته، أو منفعة لغيره، فيبقى هائماً على عقله قبل وجهه، فتضيق به المساحات والناس.
“مالك شغل” عبارة يسهل قولها عند الكثير، ويصعب تقبلها، هي كلمات قد لا تقع في محلها الصحيح، وقد ترتفع في سماء الخطأ، وقد تنتشر في هواء اللامبالاة، يرددها البعض بلا وعي، ويعيها البعض ويرددها بقصد، فتتعقد المشكلة حين تسبق المكابرة حكمة الشخص، ويتجمد الوعي حين تتراكم مثل تلك العبارات في عقول مقفلة، لنبدأ معهم: عند أحد فروع البنوك، يقتحم موقفاً للمعوقين بسيارته دون تمهل، ولا مبالاة لعلامة كبيرة أمامه تقول: “للمعوقين”، يمر بجانبك، تسلّم عليه، ينظر إليك وتقول: هذا موقف للمعوقين لو جاء أحدهم وأراد الوقوف فلن يجد محلاً لسيارته، يرد عليك “مالك شغل”..
عند باب المدرسة ينتظر ابنه في المرحلة الابتدائية، ينادي على اسمه، ينتظر ويتمتم بكلمات مع الحارس، وفي يده سيجارة يطوح بها، يضعها في فمه ثم يخرج دخاناً كدخان الشواء مع آهات لا تعلم لماذا، تقول له: نحن أمام مدرسة فإن كنت فاعلاً ذلك، ليتك تصبر إلى أن تبتعد عن الناس وحتى لا يراك ابنك والصغار معه في هذه الحالة، يرد غاضباً: “مالك شغل، وش دخلك”، تتألم ثم تخرس.
تتوقف عند الإشارة، تسمع إيقاعات غربية مزعجة، يفتح نافذة السيارة المظللة يخرج كوب العصير، وفيه نصفه يقذفه برعونة هناك.
تجده يتحدث مع المجموعة، و”يسولف” ويستدعي ماضيه وقصصه الخائبة “عملت وفعلت وسويت” والناس تضحك حوله وتطلب منه المزيد، وهو يستمر في كشف سره، وهتك ستره، تقترب جانبه تقول له خفف على نفسك، فالله سترك وأنت “جالس” تفضح نفسك وتضحك القوم، وترسم عنك صوراً سيئةً، يرد بكل سفاهة: “مالك شغل” تعيد رأسك للخلف وتسكت.
تسير في طريقك تفاجأ بمن يعاكس طريقك بسيارته متهوراً، تبتعد عنه، تعود إليه تسأله: لمَ تعاكس وتضر بالناس هكذا، تعرف أن هذا مخالف للنظام وحتى للأخلاق والسلوك الطيب، يستعر ويرد: امش بطريقك ولا لك دخل، مالك شغل، تتوقف أنفاسك فتسكن حروفك.
يدخل محل الملابس ويلتصق بجانبك، ويأخذ بعض السلع المقفلة، يبحث عن مقاسه المناسب، يفتح كل ما طاح بيديه من تلك السلع ويخرجها وينثرها هنا وهناك، تلتفت إليه تقول: هناك مقاسات مصفوفة وبالرقم تستطيع أن تعرف ما تريد عوضاً، يرد: أظن مالك شغل ولا دخل، “أبي أشوف بمزاجي”، تأتيك غصة ثم تنتظره يرحل بمأساته.
“مالك شغل” قصة لا تنتهي لدى البعض حين يمثل ذاته و”الأنا” لا يدرك الكثير أنها تمثل أزمة قلوب قبل أن تكون مصيبة ألسنة، تحتاج أن يتوقف أحدناً، فلا يكابر، ويعيد حساباته في لغته وفهمه لواقعه فحين نخطئ ويدلنا أحدهم على الصحيح يجب أن نقدم له العرفان والامتنان لأنه يضعنا على دروب الفضيلة والحق والنصح الكريم، فلا تقولوا لي ولا لهم “مالك شغل” ما دامهم أرشدوكم لخير.