خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، ابتغاءً لمرضاته سبحانه وتعالى .
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : إنه لم يعرف العقلاء معلما ولا مربيا يحمل كمال العقل، وكمال الشفقة، وكمال الحكمة مثل رسولنا وحبيبنا وقدوتنا صلوات الله وسلامه عليه، فهو قدوة في سمته، وقدوة في حديثه، وقدوة في فعله، وقدوة في صمته، هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والبر ساحله، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّهُ دفعَ معَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ عرَفَةَ، فسمعَ النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ وراءَهُ زَجْرًا شديدًا، وضربًا وصوتًا للإبِلِ، فأشَارَ بسَوطِهِ إليهمْ، وقالَ: “أيُّها الناسُ، عليكم بالسَّكِينَةِ” رواه البخاري.
وأكد فضيلته أن التزام السكينة أمر نبوي كريم، يدل على خلق كريم علمه إياه ربه جل جلاله وهو القائل(وإنك لعلى خلق عظيم) ، مشيرا إلى أن السكينة تفصل بين الأناة والعجلة وتدفع الفوضى وتنفي الغضب والعنف وضيق العطن كما ينفي الكير خبث الحديد ،والسكينة التي تمنح المرء رضا وتوكلا وانشراحا وقناعة بأنه ليس ثمة ما يستدعي العجلة والإرباك، ولا الندم والحزن، وتساءل كم كانت الندامة في العجلة، والسلامة في التأني، فإن في السكينة الخشوع والتواضع والرزانة، وفي العجلة القسوة والكبر والطيش.
وقال الدكتور الشريم : إن المرء ما دام ذا روح يتنفس بها فهو يعيش على أمر قد قُدِر، تعتريه المنح والمحن، وأنسه في الحياة ذو فتح وذو إغلاق، ونسيمه لا يهب عليلا على الدوام، إذ يخالطه لفح السموم فيقتر شيئا من صفوه، ويُنبِت له منغصات كثيرة يراها في أسرته وصحبه ومعاشه ومن حوله، ولربما استوحش من نفسه ذاتها فضاقت به الوسيعة، وطوق به هاجس قلق لا ينفك يفزع قلبه، فكان إلى السكينة والطمأنينة أحوج، ولو علم أن بهما هناءه ورضاه لمشى إليهما ولو حبوا.
وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام قائلاً : إن السكينة ما غشيت أحدا إلا كان آمنا مطمئنا حليما رضيا ،عقله يسبق لسانه، وبذله يسبق جشعه، لا ينغصه ماض ولى بعجره وبجره،ولا يقلقه مستقبل تكفل به خالقه، ولا ينظر إلا يومه الذي يعيشه فيجعل أنفاسه في يومه لابتغاء الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا ويحسن، كما أحسن الله إليه،وما فقد أحد السكينة إلا اشتمله الهلع والضيق والعجلة والغضب والعنف،فأودعوا في نفسه حزنا واضطرابا ويأسا يزاحم أنسه واستقراره وفأله، وتلك صفات ينأى عنها ذوو العقول السليمة والأنفس المطمئنة فحري بالمرء أن يأخذ أمور دنياه ببساطة لا بغضاضة ،ويغض الطرف عن كل ما من شأنه إذكاء الهم،وإثارة الحزن والغم، إما بالتغابي عنه،وإما بالنظر إلى ما هو أعظم منه ليهون عنده كل ما هو دونه؛ فإن الغبي ليس بسيد في قومه، لكن سيد قومه المتغابي.
وأكد فضيلته أن مما علمناه من هدي شريعتنا أن الهم والقلق المفرطين خطر على مجموع الأمة وإنتاجها؛ لأن من الخير لكل مجتمع مسلم أن يستقبل يومه ببشر وفأل وأمل كي يستفيد ذووه من أوقاتهم ويغتالوا القعود والقنوط قبل أن يجهز عليهم؛ إذ لا يظن بعاقل أن يزهد في السكينة والأنس والرضا،والمرء إذا ما غلبته أعراضٌ قاهرة سلبته الطمأنينة والرضا، فإنه يجب عليه أن يعجل بالتداوي الناجع الذي دل عليه الدين الحنيف لئلا يستسلم لقوارع الهموم ،التي تُحِل العجز والكسل محل الهمة والجد والعمل، والهموم وإن كانت شعورا وليس مادة إلا أنها أشد أثرا من المؤذيات المادية.
وبين الدكتور الشريم أن السكينة جند من جنود الله التي خصّ بها أتباع رسوله كلا بحسب متابعته له،وهي سَكِينة إيمان تقر في القلب فتصد كل ريب وفرق وشك،وتكمن أهميتها أمام الحادثات والخطوب والمدلهمات،فإن الله وهبها عباده المؤمنين في مواطن عصيبة كانوا أحوج إليها من الطعام والشراب(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)، وتساءل قائلاً : كيف لا تكون السكينة جندا من جنود الله وقد وهبها الله خليله إبراهيم عليه السلام حين خدوا له الأخاديد وألقوه في النار، ووهبها موسى عليه السلام وقد غشيه فرعون وجنوده من ورائه والبحر من أمامه، فقال أصحابه(إنا لمدركون)فما كان منه إلا أن قال(كلا إن معي ربي سيهدين)،إنها السكينة التي وهبها الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أطبقت أقدام المشركين على الغار الذي دخله هو وصاحبه رضوان الله عليهم أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم(إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها).
وقال هذه هي السكينة يا من تنشدها وهي ضالتك، هذه هي السكينة يا من أثقله همه وأضجره غمه ،هذه هي السكينة يا باغي السكينة ،ها قد عرفتها فالزمها ، مستشهداً بقوله جلا وعلا (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).
وأكد فضيلته أن حظ المرء من السكينة في المضايق بقدر حظه من استذكارها واستحضارها في قلبه ،فهي مرهونة بصدق قلبه الذي لا يعلمه إلا الله، فإنها لا توهب لقلب ملئ بالشك والريبة ،ولا لقلب خال من اليقين ،كيف لا والله جل في علاه يقول(فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا)مبينا أن من أراد أن يعرف حظه من السكينة فلينظر إليها في عبادته فإن وجدها وإلا فثمة مفاوز بينه وبينها ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ ،فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ ،وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ ،وَلَا تُسْرِعُوا ،فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا ،وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا “، رواه البخاري.
وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي عن أسماء الله الحسنى وفضل عشر ذي الحجة.
وأوضح في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم أن الله سبحانه سمى نفسه بأسماء مقدسة عظيمة لقوله تعالى (( ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون )) وكل اسم من أسماء الله الحسنى يدل على ذات الحق العلى الأعلى سبحانه ويدل على الصفة العظمى تضمنها ذلك الاسم.
وقال ” معشر المسلمين في عشر ذي الحجة مضى أكثرها وبقي أقلها فتح الله لكم أبواب كل خير فيها وأحصى لكم فيها الأعمال لتروا ثوابها العظيم وما بقى منها إلا بقية يومكم ويوم عرفة ويوم النحر والأعمال بالخواتيم وأعظم مرغب للعمل فيها حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أعظم أجراً من عشر ذي الحجة قالوا ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء )”.
وبيّن أن أفضل الدعاء دعاء عرفة وهذا يعم الحاج والمقيم والحاج يختص بمزيد الفضل، وقال : “علمنا الله تعالى الأعمال التي ترضيه وحذرنا من الأعمال التي يبغضها وتؤذيه وعلمنا الأوقات التي يتفاضل فيها العمل, مستشهداً بقوله تعالى: ((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون )) .
وأكد فضيلته أن يوم عرفة يوم عظيم جليل يعم خيره وبركاته هذه الأمة لما يتنزل فيه من الرحمة وما يغفر الله فيه من الذنوب العظام للحاج ولمن شفع فيه وللمقيم على الطاعة، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو يتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء).
وحذّر المصلين من المعاصي فإبليس لعن وخلد في النار ونزل من الملإ الأعلى بذنب واحد إلى أسفل سافلين ومسخ وشوه فاحذروا المعاصي .