هلال مكة المكرمة مطلع لجميع اليابسة
مكة المكرمة ” أم القرى ” ليست فقط قبلة للمسلمين، بل هي أيضاً مطلع لشهور السنة الهجرية في رؤية الهلال لجميع اليابسة .
حكم اتِّفاقُ المَطالِعِ واختلافُها:
فإذا رأى أهلُ بلدٍ الهلالَ، فإنَّه يجِبُ الصَّومُ على الجميعِ مطلقًا، وهو مذهَبُ الجُمهورِ، ومذهب الجمهور في الفقه مقدم على غيره، بالأخص في وقت تنتفي فيه الموانع، من تطور المعرفة ووقت يلزم فيه، الاجتماع لأن ظاهر الفرقة بدأ، وسوف يزيد مالم يوقفه دليل شرعي، يوحد الصف، ويراعي تغيير الأحوال في ظروف الحياة المتغيرة .
الأدِلَّة:
أوَّلًا.. مِنَ الكتاب: عمومُ قَولِه تعالى: ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ…)[البقرة: 185].
وجهُ الدلالة: أنَّ الخِطابَ يَشمَلُ جميعَ الأمَّةِ، فإذا ثبَتَ دُخولُ الشَّهرِ في بلدٍ، وجَبَ على الجميعِ صومُه .
ثانياً.. مِن السُّنَّةِ: عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:((صُومُوا لِرُؤيَتِه)) جزء لحديث [رواه مسلم].
وجه الدلالة: أن الحديثَ قد أوجَبَ الصَّومَ بِمُطلَقِ الرؤيةِ لجميعِ المُسلمين، دون تحديدِ ذلك، بمكانٍ مُعَيَّنٍ؛ لأن الله كما صرف أفئدة المسلمين إلى البيت الله الحرام قبلة للمسلمين، صرف وجوههم وأبدانهم إليها ونظراً ” لتوسط موقع مكـة المكـرمـة لليابسة ” فإنها تصلح مطلعاً لجميع بلدان العالم .
ثالثاً.. ما يقوي رأي الجمهور، بتوحد الرؤية إن أمكن ذلك لقوة أدلة من قال به، ولكن الأمر كما قال الشيخ الألباني – رحمه الله – ” وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك، وبهذا القول قال به كثير من علماء الأمة .
لذلك فإن مكة المكرمة، أم القرى هي البلد المقترح الذي يكون مطلعه مطلعاً لجميع اليابسة، فمن باب أولى أن تتبعه جميع الدول العربية، ثم الوسط من جميع الاتجاهات، ثم دول العالم بأكمله بجميع اتجاهاته.
فمن الحكمة الإلهية أن جعل الله ” سبحانه ” جهة الغرب تحتوي جهة الشرق، لأن المغيب ينتهي به اليوم.
ومكة مغيباً للشرق، أما الشمال والجنوب يتبعان الغرب ومكة هي الوسط لجميع الاتجاهات وتتوافق غالباً مع الغرب في مطلع الهلال فلذلك أيضاً تشملهم، بشرط انقضاء يوم التاسع والعشرين سواء كان من شعبان أو من رمضان أو من ذي القعدة عند الجميع، وهذا هو الصحيح؛ لأننا إذا ألزمنا كل قطر بمطلع لوحده بسبب تقديم أو تأخير ساعات جزأنا اليابسة وحرمناهم من أقرب مغيب لهم، وألزمناهم بما لا يطيقون وحكمنا عليهم بتأخير يوم عن رمضان أو عن العيد بدون أي مبرر أو وجهٍ شرعي وقد انتهى اليوم عندهم، وأرض الله واحدة وشمسها واحدة وقمرها واحد ، وقبلتها واحدة ، وبيتها واحد يتوسط اليابسة، وهو المطلع الذي يشمل الجميع ، ولم يكن الفرق بينه وبين أقاصي اتجاهات اليابسة إلا ساعات قليلة فقط ، ويتفقون معه بساعات من الليل ومن النهار ، مما لا يستوجب تأخيرهم يوماً، لذلك بعدما تغيب شمس يوم ٢٩ في ، مكة فإنهم يعلنون مع مكة بنفس اليوم ، بعد مغيب الشمس عندهم فيكون الفرق ساعات فقط .
حالة استثنائية لأقصى الغرب:
إن الهلال المتعذر رؤيته في مكة ليس من غمام ولكن بسبب نقص عمر بعد الاقتران، فإنهم لا يستطيعون رؤيتة إذا لم ير في مكة إلا نادراً في بعض الأجزاء الغربية من القارتين الأمريكيتين باستخدام التلسكوب فقط وذلك بصعوبة بالغة في حالة صفاء الغلاف الجوي فقط وغالباً لا يرونه رؤية مكث تمكنهم من الصيام أوالفطر، فلذلك، هم يتبعون مكة في هذه الحالة أيضاً.
أما الهلال المتعذر رؤيته في مكة بسبب الغمام فإذا رأوه يلزم أن يكون لهم مطلعاً لوحدهم؛ لأن الجميع يتبع مكة، وإن تعذرت رؤيته عندهم تبعوا مكة مع الجميع بعد انقضاء يومهم .
ملاحظة هامة..
إذا لم ير الهلال بمكة ومن حولها مساء ٢٩ فإن الشهر يتم ٣٠ يوماً سواء كان شهر شعبان أو رمضان أو ذي القعدة، ووجب على الجميع الإتمام، فاتباع مكة حق أن يتبع ولا ينتظر أهل مكة حتى يعلن في أقصى الغرب، لكي لا يترتب على انتظارهم تأخير، إعلان صيام أو فطر جميع دول العالم، فيكون الفارق الزمني بينهم وبين أقصى الغرب ما يترتب عليه دخول يوم جديد، للجهات الثلاث : (الجنوب والشرق والشمال ).
قاعدة هامة:
من غابت عندهم الشمس قبل مكة فإنهم ينتظرون حتى تعلن مكة ثم يعلنون، ومن تغيب الشمس عندهم بعد مكة لا يعلنون حتى تغيب الشمس عندهم، فإذا أتفق الجميع على مطلع مكة مطلعاً لجميع اليابسة، فإنه يصوم جميع من على اليابسة في يوم واحد وكذلك الفطر، ويصبح فارق الزمن بين الدول ساعات فقط، وهذا هو الحق الذي دلت عليه الأدلة بمشيئة الله نظراً لتوسط مكـة المكـرمـة لليابسة، فإنها تصلح مطلعاً لجميع بلدان اليابسة.
قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَت ْلَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }(143)البقرة .
وسميت مكة بأم القرى: « وأم القرى مكة زيدت شرفاً ؛ لأنها توسطت الأرض »، وفي ثنايا حديث علماء التفسير المسلمين قديماً عن فضل مكة على سائر البلدان جاءت الإشارة إلى أن مكة المكرمة تقع في وسط العالم، ويقول القرطبي: «بقول الله تعالى : ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾[البقرة: 143] المعنى : وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا، ويقول ابن عطية في تفسيره: «وأم القرى مكة سميت بذلك لوجوه أربعة:
1ـ أنها منشأ الدين والشرع، وهداية لمن حولها .
2ـ ما روي أن الأرض منها دحيت .
3ـ أنها وسط الأرض وكالنقطة للقرى .
4ـ شرعاً بأنها قبلة كل قرية، فهي لهذا كله أم وسائر القرى بنات».
وجاء بإثبات توسط مكة لليابسة جغرافياً من خلال القياسات وصور الأقمار الصناعية ، وتتصل مع جميع دول العالم بجزء من الليل وجزء من النهار لكونها جغرافيا هي منتصف الأرض ، فاتجاهاتها لا تحتمل الانحراف : شمالها شمالاً، وجنوبها جنوباً، وشرقها شرقاً، وغربها غرباً، فلا يوجد انحرافاً إطلاقاً بأي اتجاه من الاتجاهات .
إن نتائج الدراسات توضح أن توسط مكة لليابسة يظهر كما أنها تحقق التوسط بالنسبة لحدود قارات العالم البعيدة والتي تمثل حدود اليابسة من الخارج، وأخيراً فإن مكة المكرمة تبتعد تقريباً بنفس المسافة عن النقاط التي تتوسط قارات العالم أي عن مراكزها الجغرافية.
وعند إجراء كل القياسات على مواقع أخرى ترجح أنها تتوسط اليابسة ، وقد تأكد أن مكة المكرمة هي الموقع الوحيد على اليابسة ، والذي يمكن أن يحقق تلك القياسات والنتائج ، مما يؤكد على أن لمكة المكرمة موقعا فريدا ومتميزا ، لا ينافسها في ذلك موقع أو مدينة أخرى، ومن هنا وصفت في القرآن الكريم بأنها أم القرى.
* لأن توسط مكة المكرمة لليابسة له حكمة تشريعية كبرى، حيث يوضح أن تلك القبلة وضعت لكل الناس في موقع مميز يتوسط اليابس من الأرض ، مما يسهل عملية الوصول إليها من أي بقعة من بقاع اليابسة لأداء مناسك الحج والعمرة ، مصداقا لقوله تعالى :
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96] ،فكما بارك الله للناس بهدايتهم إلى بيته الحرام لأداء مناسك الحج ، فحق علينا أن نهتديَ ونوحد الكلمة ونجعل مكة وما حولها علماً لتحديد بداية صيامنا وفطرنا ، وحجنا .
* فما دام أمر رسول الله ﷺ للعموم ولم يكن للخصوص فلا بد لنا أن نعرف حدود العموم ، ولا يتأتى لنا ذلك إلا بتوسيع المدارك لمعرفة الحق بما يتناسب مع شرع الله ، فسبحان الله الذي وسع هذا والكون ليتسع فيه النظر للتأمل وأخذ العبر والحكم والأحكام الشرعية التي تنظم حياة البشر قال الله عز وجل : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) فصلت/ 53.
قَالَ عَطَاءٌ وَابْنُ زَيْدٍ : ( فِي الْآفاقِ ) يعني أقطار السموات وَالْأَرْضِ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالرِّيَاحِ وَالْأَمْطَارِ وَالرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالصَّوَاعِقِ وَالنَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَغَيْرِهَا.
فتصبح شروط اتخاذ مكة مطلعاً لبداية
1ـ اتفاق جميع المسلمين على ذلك .
2ـ التقيد بإدخال الأشهر الهجرية لرمضان والعيد وذي الحجة بالرؤية الشرعية لا بالحساب الفلكي.
3ـ تكوين لجنة شرعية وفلكية .
4ـ عدم معارضة رأي العلم والعلماء القطعي وليس الظني .
5ـ إقرار صحة رؤية الهلال أو من عدمها من قبل اللجنة الشرعية قبل صدور حكم المحكمة الشرعية بذلك .
6ـ رد شهود الشبهة إذا كانت الحسابات الفلكية العلمية تثبت بشكل قطعي استحالة رؤية الهلال ، كان ذلك دليلاً على خطأ مدعي الرؤية ، وقد علّل هذا الفقيه الشافعي تقي الدين السبكي (ت756هـ) ، فقال: «لأن الحساب قطعي ، والشهادة والخبر ظنيان ، والظني لا يعارض القطعي ، فضلاً عن أن يقدم عليه».
7ـ لا يحتاج مراصد فلكية كثيرة لأن مراصد مكة ومن حولها تكفي وهي الحكم ، عند مراعاتها للقواعد الصحيحة لرؤية الهلال الشرعية ومن أهمها التريث والمكث الكافي لا مطاردة الهلال ، ولا داعي لكثرة المراصد لأقصى الغرب لأن كثرتها وانتظارها ، تؤخر دول الشرق ودول الجنوب عن تحديد مصير ، الغد ، لذلك لا فائدة فيها ، لأن مكة هي الوسط وهي المرصد الذي يشمل الجميع ، فلوحدها كافية لما حولها ، إلا بحالة الغمام قبل الإتمام إذا كان يرجى رؤية الهلال بدولة من دول الجوار القريبة جداً من دون أن يكون تأخير، بهذه الحالة فإنها تنتظر لأن ما حولها متصل بها .