انتهازية المصالح تهدم أخوة الدين والدم.. “أردوغان” يتاجر بالمسلمين الإيغور في سبيل مآربه
رغم أن قضية المسلمين الإيغور كانت مستبعدة تمامًا في تقديرات كل المراقبين من الدخول في مجال مراهنات النظام التركي، بالنظر إلى روابط الدين والعرق التي تربط الإيغور بالشعب التركي؛ إذ إن الإيغور هم أقلية مسلمة تعود أصولهم إلى الشعوب التركية، وبالنظر أيضاً إلى المواقف السياسية المعلنة للنظام التركي في إطار ما أعلنته وزارة الخارجية التركية سابقاً من أن “معاملة المسلمين الإيغور الناطقين بالتركية تعد عارًا كبيرًا على الإنسانية”، رغم كل تلك الاعتبارات الدينية والعرقية والسياسية فوجئ العالم بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول لنظيره الصيني شي جينبينغ خلال لقائهما الثلاثاء الماضي في بكين: “إن الأقليات الاثنية (الإيغور والهان وغيرهما) تعيش بسعادة في إقليم شينجيانغ”، وفقاً لما نقلت عنه وكالة الأنباء الصينية الرسمية “شينخوا”.
وعند مطابقة مقولة “أردوغان” تلك بحقائق الواقع يتيقن أنها محض كذبة قُصد منها المتاجرة بدماء المسلمين الإيغور، الذين يشكلون 45 في المئة من إجمالي سكان إقليم شينجيانغ، مقابل المصالح التي يتطلع لها أردوغان ونظامه من الصين، ومن تلك الحقائق الصادمة التي تهز ضمير العالم حالياً منذ اكتشافها: أن الصين تعتقل ما يزيد على مليون فرد من أقلية الإيغور المسلمة في معسكرات اعتقال جماعية، وتخضعهم لعملية محو ممنهج لطمس عقيدتهم الإسلامية وثقافتهم وهويتهم الإيغورية، تحت نير الاضطهاد والتعذيب والحرمان من الحقوق الإنسانية كافة؛ إذ تجبرهم الحكومة الصينية على حفظ أفكار الأيديولوجية الشيوعية الصينية ونسيان تعاليم دينهم الإسلامي.
واضطهاد المسلمين الإيغور محل اعتراف واهتمام المنظمات الدولية ولا خلاف بشأنه، وفي هذا الصدد أعربت منظمة الأمم المتحدة مراراً عن قلقها من ورود تقارير عن اعتقالات جماعية للإيغور، ودعت لإطلاق سراح أولئك المحتجزين، كما ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها لعام 2019، أن “الحكومة الصينية كثفت من الاحتجاز التعسفي الجماعي، بما يشمل في مراكز الاحتجاز والسجون قبل المحاكمة، وهي مرافق رسمية، وفي معسكرات التلقين السياسي، التي لا أساس لها بموجب القانون الصيني”، موضحة أن تقديرات موثوقة تشير إلى وجود مليون شخص محتجزين إلى أجل غير مسمى في هذه المعسكرات؛ حيث يُجبَر المسلمون الإيغور على تعلم لغة الماندرين الصينية، والإشادة بالحكومة والحزب الشيوعي، والتخلي عن العديد من المظاهر المتعلقة بهويتهم المتميّزة، وكل من يقاوم ذلك يعتبر فاشلًا في التعلم ويعاقب.
أمام كل هذه الحقائق الصادرة من جهات دولية محايدة يصعب تفسير مقولة “أردوغان” سوى في سياق متاجرته بدماء هؤلاء الأبرياء في سبيل تحقيق مآربه السياسية، لكن من جهة أخرى فإن تردي “أردوغان” إلى هذا المستوى الذي يناقض فيه ثوابت الدين، والهوية القومية للأتراك، والقيم الإنسانية، يكشف عن انهزامية رجل يصارع من أجل البقاء، لا سيما في أعقاب خسارته في الانتخابات المحلية الأخيرة للمدن التركية الكبرى، بما فيها أنقرة العاصمة التركية، وإسطنبول العاصمة الاقتصادية، ويحاول في مواجهة الفشل الذي يلاحقه التشبث بأي شيء، والمتاجرة بكل شيء حتى القيم والمبادئ.