المحلية

الحزم الاقتصادية من الملك سلمان.. والالتفات إلى العراق

العراق ما زال مثقلا بالحروب الأهلية ومثخنا بالأزمات الاقتصادية الممتدة، بالرغم من أنه دولة تملك كل مقومات الدولة القوية وأسباب الازدهار من الثروات الطبيعية والموقع الاستراتيجي، لكنه عانى من توالي الانقلابات العسكرية ثم مغامرات صدام حسين العسكرية قبل أن تحل عليه الحرب الأمريكية التي سرقت إيران ثمرتها على حين غفلة من الأمريكان وفرضت تاليا هيمنتها على العراق.
المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ب عبدالعزيز – حفظه الله – تعلم أن أمن العراق ليس مهما للعراق فقط لكنه مهم أيضا للمملكة، ففي النهاية عندما اختل الأمن في العراق وظهرت ميليشيات مثل داعش فإن شرار نارها وصل إلى المملكة. كذلك إن ازدهار العراق من ازدهار المملكة والحالة الاقتصادية الهشة للعراق تحرم البلدين من إمكانية مضاعفة التبادل التجاري بينهما. وقبل كل شيء، هنالك علاقة ثقافية واقتصادية تاريخية ضاربة في جذورها بين الشعبين، أما من الناحية الثقافية فلقد كانت الرحلة إلى العراق لطلب العلم شائعة بين طلاب العلم الذين نشأوا في الجزيرة العربية وأحد الذين ارتحلوا إليها لطلب العلم الشيخ محمد بن عبدالوهاب. أما من الناحية الاقتصادية فلقد نزحت عدد من عوائل نجد إلى الزبير في العراق هربا من القحط أو طلبا للرزق ومازال الكثير من أهالي المملكة يحمل ذكريات عن تلك المدينة، بالمقابل فإن الحجاج العراقيين كانوا يمرون بالجزيرة العربية وحماية هذه القوافل والتبادل التجاري بينها وبين السكان كان موردا اقتصاديا مهما. هذه العلاقة التاريخية ظلت قوية رغم بعض التوترات، لكن العلاقات الدبلوماسية انقطعت كليا بعد قرار صدام حسين غزو الكويت وظلت مقطوعة حتى عام 2015.
إن الالتفات إلى العراق من قبل المملكة مؤخرا صار واضحا، وهو التفات يحمل في طياته نظرة ثاقبة من القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظهما الله- وهذا الاهتمام بالدول العربية الشقيقة هو دأب وديدن المملكة التي لا تألو جهداً في الوقوف مع الدول العربية الشقيقة.
إن حزمة القرارات الاقتصادية المتمثلة في تقديم قرض من الملك سلمان -حفظه الله- بـ “مليار دولار” للعراق، وإنشاء مدينة رياضية على أفضل طراز، علاوة على الاتفاقيات التي ستوقع بين البلدين قريباً، هي لا تعكس مدى اهتمام القيادة السياسية بالعراق فقط، لكنها تعكس طبيعة العلاقة التي يُراد لها أن تكون بين البلدين. إنها علاقة دعم اقتصادي وتبادل تجاري بالدرجة الأولى، ولذلك فإن الوفد السعودي الأخير كان بقيادة وزير التجارة والاستثمار “ماجد القصيبي”. وهذا تحديدا الذي يجعل المملكة تختلف عن إيران، ومن المفارقة أنه قبل عدة أشهر نـُشر تقرير لـ “رويترز” يذكر أن إيران هربت صواريخ بالستية إلى العراق، بينما إيران تريد الدخول إلى العراق عبر السلاح والموت وتغذية الحروب الأهلية، المملكة تدخله عبر حزم اقتصادية واتفاقيات تجارية تقوي بها الاقتصاد العراقي، وتعيد الحيوية والحياة إلى العراق وشعبه، عندما قال مسؤول إيراني مفتخرا أن بلاده تحتل أربع عواصم عربية ، لم يصرح مجددا كيف أصبح حال هذه العواصم بعد وصول السرطان الإيراني لها وكيف تم دمر بنيتها الاجتماعية واقتصاداتها. إن من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الباحث هو تصور إن الشعب العراقي -الشيعي منه تحديدا- هو في حالة انسجام مع إيران، لكن هذا ليس بصحيح، فإن الناس تميل لمن يوفر لها مصالحها الاقتصادية ويوفر لها الأمن السياسي بغض النظر عن مذاهبهم، ومن الواضح أن تواجد إيران في العراق يعمل على عكس ذلك فهو يقوم على تفتيت البلد وانهاكه أمنيا واقتصاديا. وليست مفاجأة أننا نجد اليوم الكثير من القيادات السياسية والدينية -شيعية و سنية- ضد إيران. وكذلك فإن مرجعية النجف بقيادة السيستاني ليست في حالة وئام مع من إيران وتدخلاتها المستمرة في المشهد السياسي العراقي. المملكة بالقيادة الحكيمة للملك سلمان وولي عهده تقوم بخطوات ممتازة في تقوية العلاقة مع العراق، ومنها فتح القنصلية في بغداد وأيضا يتوقع أن تفتح قنصلية للعراق في المملكة وقبل ذلك سـُيرت خطوط سفر مباشرة من المملكة إلى العراق. وليست مفاجأة أن نجد ترحيبا حاراً من الحكومة العراقية بالوفد السعودي وارتفاع التفاؤل في العلاقة بين البلدين.
لكن إيران ليست هي الخطر الوحيد المحدق بالعراق، هنالك التواجد المريب للقوات التركية شمال العراق. إنها قوات دخلت بدون إذن حكومة بغداد وهي رابضة هناك رغم أن تواجدها خرق واضح للقانون الدولي الذي يمنع دخول قوة عسكرية لبلدا آخر دون طلب حكومة ذلك البلد دخولها. فالقانون الدولي يصنف الفعل التركي باعتباره جريمة اعتداء دولية تهدد السلام والأمن الدوليين. فبناء على قرار الجمعية العامة رقم 3341 في عام 1974 فإن جريمة الاعتداء تشمل كل “اجتياح أو هجوم بواسطة القوات العسكرية لدولة ضد مناطق دولة أخرى، أو أي احتلال عسكري لها.” إن الحكومة العراقية صرحت أكثر من مرة أنها ضد هذا التواجد التركي، واستمراره ليس خطرا على العراق وحده بل على الأمن العربي أيضا. ولذلك تبنت جامعة الدولة العربية في بيانها الختامي مؤخرا تحذيرا من التدخلات التركية والإيرانية على حدٍ سواء.
إن المملكة لا تريد أن تكون بديلا لإيران أو تركيا في العراق ولا تريد أن تهيمن عليه، إنها تريد أن يكون الشعب العراقي قادرا على حكم نفسه بعيدا عن الوصاية الإيرانية والتركية. من متابعة البلدان التي نجحت إيران وتركيا في الوصول إليها فإنه من الواضح أن إيران وتركيا تزدهر في البلدان التي تعاني من فوضى سياسية وضعفٍ في القيادة السياسية. إنهما يقتاتان على الفوضى السياسية في المنطقة، ولذلك التخلص منهما يكون عبر تقوية العراق، تقويته اقتصاديا وسياسيا حتى يكون قادرا على فرض سيادته على كل مناطقه، ومن ثمّ احتكار الدولة حق استخدام السلاح. إن استعادة سيادة العراق على أراضيه يأتي ضمن المشروع العربي للأمن القومي في التخلص من هيمنة الدول الإقليمية المجاورة.

* أحمد عبدالعزيز الجنيدل*
محاضر في الجامعة الإلكترونية
باحث دكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية حالياً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى