وثائق سرية مسرَّبة تكشف أساليب تجنيد السعوديين في تنظيم “داعش”
كشفت دراسة حديثة، أجراها مدير إدارة البحوث، رئيس وحدة الدراسات الأمنية بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الأمير د. عبدالله بن خالد بن سعود الكبير، تحت عنوان: “المقاتلون الأجانب في وثائق “داعش” المسربة.. دراسة تحليلية للقادمين من المملكة العربية السعودية”؛ أن تنامي الاضطرابات السياسية وحالة عدم الاستقرار وتصاعُد موجة الطائفية في المنطقة، هو من أهم أسباب تطرُّف المنتسبين إلى تنظيم “داعش” من السعوديين، وليس مجرد أيديولوجية دينية أو عوامل اجتماعية- اقتصادية.
وأشارت الدراسة إلى أن تنظيم “داعش” يحاول استغلال التصدُّعات والشروخ الناتجة عن التعصُّب الطائفي في المجتمعات، ونسج روايته وطرح رؤيته وإسقاطها على سياقات تاريخية واجتماعية معيّنة لكل بلد على حِدَة.
وشدّدت الدراسة على ضرورة معرفة السياقات والظروف المصاحبة قدر الإمكان في نطاق كل بلد أو منطقة؛ لابتكار حلول حقيقية لمواجهة تهديدات ومخاطر التطرف والإرهاب.
وأظهرت الدراسة أن أغلبية المقاتلين الإرهابيين الأجانب من السعوديين في تنظيم “داعش” بسوريا، هم من الشباب الذين يمثلون جيلًا جديدًا من الجهاديين، كما أن معظمهم ليس من المراهقين، أو المعزولين أو المنبوذين اجتماعيًّا.
وتقدِّم هذه الورقة البحثية، تحليلًا مُعمّقًا عن الوثائق السرّية التي سُرِّبتْ عام 2016م عن المجنّدين الجُدُد الذين سعوا للانضمام إلى تنظيم “داعش” الإرهابي بسوريا، وانضمت الغالبية منهم في عامَيْ (2013م – 2014م)، في حين كان هناك انضمام ثلاثة أفراد في أعوام (2011م، 2012م، و 2015م).
وتتضمن كمًّا هائلًا من المعلومات عن 759 من المقاتلين الإرهابيين الأجانب القادمين من المملكة، كما تتناول معلومات مهمّة من صميم ملف تجنيد السعوديين في تنظيم “داعش”.
وذهبت الدراسة إلى أن الأغلبية العظمى من هؤلاء المجنّدين لا يملكون -باعترافهم هم حسب الوثائق- علمًا شرعيًّا معتَبَرًا، وأنهم نادرًا ما يكونون أشخاصًا متديّنين جدًّا قبل الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، وتلك حقيقة ثابتة لدى السواد الأعظم من المجنّدين في تلك الجماعات الإرهابية عامة، وتنظيم “داعش” خاصة.
وبينت أن هذه المجموعة من المقاتلين الإرهابيين الأجانب من السعوديين لم تكن محدودة التعليم، وبالتالي من الصعوبة بمكان الادِّعاء بأنهم يعانون ندرةَ الفرص أو محدودية إمكانية الترقّي.
وأوضحت أن هذه المجموعة الإرهابية لم يكن تركيزها في منطقة محددة فقيرة أو ساخطة أو محرومة في المجتمع؛ فقد قَدِم أفرادها من جميع مناطق السعودية، خصوصًا منطقة القصيم التي ﻗدَّمت أعلى نسبة من المقاتلين، وبفارق كبير عن المناطق الأخرى مقارنة بمتوسّط نسبة تجنيد الشباب فيها إلى كل مائة ألف نسمة في المنطقة، رغم أن المنطقة تُعَدُّ الأقل عددًا من حيث الأسُر الأقلّ فقرًا في المملكة بأكملها. وﻗدَّمت منطقة الرياض 262 مقاتلًا، ومكة المكرمة 134 مقاتلا.
ولفتت إلى أن هذه المجموعة الجديدة من الإرهابيين أكثر قدرة ماليًّا وعلميًّا من المقاتلين السعوديين السابقين خلال العقود الأخيرة، وأن نسبة مشاركتهم “الجهادية” -حسب اعتقادهم- الكبرى قد تكون بسبب ارتباطهم بشكل قويّ -خاصة في بعض المناطق- بالفرص التي توافرت لهم.
وكشفت الدراسة عن فارق واضح عند مقارنة اختيارات هذه المجموعة من مقاتلي “داعش” مع نظرائهم السابقين في العراق، حيث بلغت نسبة السعوديين الذين تطوعوا للعمليات الاستشهادية في العراق (2006م- 2007م) (48%)، وهي أعلى بكثير من النسبة الحالية مع “داعش” التي بلغت نحو (16%). والسبب وراء تدنِّي النسبة كما يعتقد مؤلف الدراسة يعود إلى أن “القاعدة” في العراق كانت تنظيمًا متمردًا ضد خصم عسكريّ متفوق أميركا.
واحتل تنظيم “داعش” مساحة شاسعة من الأراضي، وحاول بناء هيكل بيروقراطي، وأعلن عن كونه خلافة، ولذلك فالبيئة المختلفة والمشروع المثير الجديد أسهما في جعل خيار الحياة مجزيًا ومفهومًا أكثر من خيار الموت.
وأفادت الدراسة الصادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية مؤخرًا، بأن الحجم الهائل من الجهاديين المبتدئين المنضمّين إلى “داعش” في الآونة الأخيرة يُظهر أن التطرف لدى الأغلبية العظمى من هذه الجماعات جاء نتيجة للأحداث والظروف الراهنة والجديدة عوضًا عن التجارب القديمة، إضافة إلى أنه يدلّ على أن المتطرّفين والإرهابيين -رغم مرور عقدين من “الحرب على الإرهاب” والمبادرات والبرامج المتنوعة التي لا تُحصى من جانب معظم الدول لمكافحة الأيديولوجيات المتطرفة والداعية إلى العنف– فإنهم لا يزالون قادرين على إيصال رسائلهم، بل التعبير عنها بشكل أكثر فاعلية من خلال الوسائط الإلكترونية، والوصول إلى بعض الشباب المسلم من شتّى البلدان والخلفيات.
وكشفت الدراسة أن الأغلبية العظمى نشأت ووعت في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر وفي أثناء حقبة “الحرب على الإرهاب”. ورغم ذلك فقد جرى جذبهم نحو التطرف وتجنيدهم بأعداد أكبر من السابق.
وذكر معدُّ الدراسة مدير إدارة البحوث بمركز الملك فيصل، أن جاذبية الفكر المتطرّف لم تقتصر على السعوديين فقط؛ حيث تدفّق الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى سوريا من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى “داعش” وجماعات إرهابية أخرى؛ وهو ما يثبت أن الحروب والعنف وعدم الاستقرار وانعدام الأمن في منطقة ما يؤدي إلى خلق بيئة تنمو فيها الأفكار والمعتقدات المتطرفة وتتفاقم وتبدأ في جذب أتباع جُدُد، علاوة على ذلك، لا يمكن تجاهل دور الإنترنت -ولا سيما وسائل التواصل الاجتماعي- في إتاحة فرص الجهاد العابر للحدود للشباب بشكل أقوى من خلال تفاعل وتواصل وتعبئة بطريقة لم تكن متاحة من قبل.
وأشارت هذه الورقة البحثية المهمة، إلى أن هذا العدد الكبير من المقاتلين من السعوديين في الصراع السوري، الذي يمثّل جيلًا جديدًا من الجهاديين، يمكن أن يشكّل مخاطر أمنية جسيمة في المستقبل، مثلما كانت العواقب وخيمة في حالات التعبئة الكبيرة للمنظمات الإرهابية في السابق، مبينة أن العواقب الأمنية السلبيّة لهذه التعبئة الكبيرة في الصراع السوري تبدو أنها ستتجاوز على الأرجح مدة الصراع نفسه، وقسمت السعوديين العائدين من تنظيم “داعش” بسوريا إلى قسمين؛ قسم شعر بخيبة الأمل من تجربته مع التنظيم، وآخر عاد عاقدًا العزم على تنفيذ هجمات إرهابية مدمّرة داخل المملكة.