الدبلوماسية السعودية.. أبعاد إنسانية ومبادئ ثابتة
تناولت ندوة «الدبلوماسية السعودية والاستقرار الإقليمي والعربي والدولي والمقامة ضمن فعاليات مهرجان الجنادرية وشارك فيها نخبة من المسؤولين والمختصين والدبلوماسيين الركائز الأساسية التي تستند عليها السياسة الخارجية للمملكة وأبعادها الإنسانية ومقدرتها على السير بخطى ثابتة. ووفق أسس متينة وضع أطرها العامة الملك المؤسس عبدالعزيز – طيب الله ثراه – وحتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وفي كلمة ألقاها الدكتور عادل مراد، نيابة عن الدكتور نزار مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية، أكد على استتباب الأمن وترسيخ الاستقرار أحد الدعائم أو الركائز الأساسية التي تستند عليها السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، فليس بخافٍ أن منطقتنا تمر بمرحلة حرجة تتعدد فيها الصراعات وتتعاقب عليها الأزمات وتتنامى فيها التدخلات من كل حدب وصوب مما أوجد حالة عامة من الاضطراب والقلق والتوجس وعدم الاستقرار على الرغم من التفاؤل والثقة بالقدرات الذاتية التي استطاعات المملكة بناءها لدعم استقرار المنطقة وأمنها، فإنها في الوقت ذاته لاتخفي قلقها لما تتعرض له المنطقة بصفة خاصة والعالم بصفة عامة من اضطرابات وأزمات, وإذا كان من الطبيعي أن يتصاعد الشعور بالقلق والتخوف لدينا نتيجة لما نشهده من اضطرابات وصراعات من حولنا فلابد من استحضار حقيقة أن مواجهة التحديات والأخطار ليس شيئاً جديداً أو فريداً بالنسبة لنا، فذاكرتنا الحديثة حافلة بكثير من الأزمات والتحديات التي تعرضت لها بلادنا.
وأضاف.. ولقد استوجبت هذه الأوضاع من المملكة مضاعفة الجهود الدبلوماسية والتعزيز في الحضور السياسي وتنشيط دورها على الساحتين الإقليمية والدولية في سبيل درء التهديدات والأخطار والحيلولة دون تفاقمها, كما تطلبت أن تبادر المملكة إلى صياغة دور فاعل خليجياً وعربياً وإسلامياً كي تتمكن من تفعيل أسس التعاون في سبيل الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وجاءت كلمة الدكتور عبدالله الربيعة المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة بعنوان «البعد الإنساني في الدبلوماسية السعودية» ذكر فيها المساعدات الخارجية التي قدمتها المملكة بلغ إجمالي هذه المساعدات 86.7 مليار دولار, كما أوضح معاليه بأنه بلغ عدد المشروعات التي قدمها للمرأة مركز الملك سلمان للإغاثة بلغ 206 مشروعاً بتكلفة إجمالية تجاوزت 341 مليون دولار أميركي, بالإضافة إلى تقدم المملكة مبادرة إنسانية من خلال المركز تتمثل في المشروع السعودي لنزع الألغام «مسام» والذي يهدف إلى إزالة الألغام في الأراضي اليمينة حيث تم نزع 26.609 ألغام حتى اليوم, و171 مشروعاً خصصها المركز للطفل شملت قطاعات عدة منها الصحة والأمن الغذائي والتعليم, وأشار إلى هدف منصة التطوع الإلكتروني وهو تمكين القدرات التطوعية المستقبلية لأبناء وبنات المملكة بما يتناسب مع رؤية 2030.
وأضاف الربيعة انطلاقاً من دور المملكة الفاعل كعضو مؤسس للأمم المتحدة ومؤثّر في المجتمع الدولي فإنه تلتزم بكل المعايير الإنسانية التي قررتها المواثيق الدولية من حيث الحيادية والشمولية، وظلت تؤكد مراراً على أهمية الالتزام بتطبيق مبادئ القانون الإنساني الدولي ولذلك فقد قدمنا منذ تأسيسها دعماً سخياً ومساعدات لأكثر من ثمانين دولة, هيأ لها أن تحتل المركز الرابع على المستوى العالمي من حيث المبادرة وحجم المساعدات الإنسانية المقدمة للدول والشعوب المستهدفة.
وبدوره تحدث الدكتور عبدالله بن يحيى المعلمي مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة، عن أن الدول الغربية هي في الغالب دول مؤسسات, وأن العمل السياسي والإداري فيها يسير وفق مبادئ ثابتة وقيم راسخة لا تتغير كثيراً بتغيير الحكومات أو الشخصيات, والواقع أن هذا الأمر ينطبق بصور أوضح في حالة المملكة خاصة في مجال السياسة الخارجية, فالدبلوماسية السعودية تسير على خطى ثابتة ووفق أسس متينة وضع أطرها العامة جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -يرحمه الله- وأوضح ملامحها جلالة الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز آل سعود الذي تولى وزارة الخارجية في المملكة لعجة عقود قبل أن يتسلم زمامها صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في عام 1975م ولفترة قياسية بلغت حوالي الأربعة عقود ثم تولى بعدها معالي الأستاذ عادل الجبير ليكمل المسيرة, تقوم السياسة الخارجية السعودية على مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية وتاريخية دينية واقتصادية أمنية وسياسية وضمن أطر رئيسية أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية ودعم العلاقات العربية والإسلامية لما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها وانتهاج سياسية عدم الانحياز وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة، وأداء دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية.
ومن جهته، قال الدكتور يوسف العثيمين إن الإسلام كان ولايزال أهم العوامل المؤثرة في عملية تحديد أولويات السياسة الخارجية للمملكة فمنذ توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- وحتى عهد خادم الحرمين الشرفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله والمملكة تعمل على تسخير قدراتها ومواردها لخدمة الأمة الإسلامية وتسعى دوماً إلى جعل قضاياها ركناً أساسياً في هذه السياسة وقد تم تأكيد ذلك في النظام الأساسي للحكم حيث نصت المادة الأولى من النظام على أن المملكة دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ورسمت المملكة نهجها الديني والسياسي في المادة الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين من نظام الحكم، حيث نصت المادتان على أن تقوم الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما بما يمكن من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة مشيراً إلى حرص الدولة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة وعلى تقوية علاقتها بالدولة الصديقة.
تلا ذلك كلمة للأستاذ خالد اليماني وزير الخارجية، ذكر فيها أن العلاقات اليمنية السعودية تحكمها محددات كثيرة ومشتركات الإرث الحضاري الواحد بين الشعبين الشقيقين تذهب عميقاً في التاريخ المشترك لشعب الجزيرة العربية, كما شكلت رابطة العقيدة والعوامل الجغرافية والديوغرافيا نسيجاً مجتمعياً واحداً لأبناء البلدين ساهم في تقوية وتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين اللذين يشكلان الجزء الأكبر في شبة الجزيرة العربية وتركيبتها الديموغرافية, وحينما نقول: إن العلاقة بين البلدين والشعبين علاقة استراتيجية, فنحن لا نغالي في توصيف البعد الجيوسياسي والشراكة القوية التي شهدت مراحل عديدة وتقلبات وتغيرات مختلفة, وكانت لحكمة أبناء الملك المؤسس المغفور له بإذن الله عبدالعزيز آل سعود كلمة الفصل في إبقاء الشراكة بين البلدين في مختلف أبعادها الاجتماعية والفكرية والروحية نموذجاً لوحدة المصير والمستقبل الواحد, وكان آخر تغييرات النظرة الاستراتيجية في العلاقات الثنائية هي الاستجابة الفورية لخادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز لنداء أخيه فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية للتدخل لإيقاف العدوان الحوثي المدعوم من إيران على المدن والمحافظات اليمنية واختطاف الدولة بقوة السلاح, لقد كانت عاصفة الحزم نقطة التحول الرئيسية في علاقات البلدين الاستراتيجية, وأبرز حدث في العلاقات الثنائية خلال العقدين الأخيرين بعد التوقيع على اتفاقية الحدود بجدة في العام 2000.