خبير عسكري يحذّر: دلائل تؤكد اختراق المخابرات العربية بشكل خطير.. ما عسانا نحتاج؟!
كشف لواء طيار ركن “متقاعد” عبدالله غانم القحطاني، لـ”سبق”، أن أمن العالم يتغير سريعاً وليس نحو الأفضل كما يتوقع البعض؛ مشيراً إلى ازدياد المخاطر التي تهدد حياة المجتمعات الإنسانية وكياناتها السياسية؛ مما جعل أجهزة المخابرات نفسها التي تقدم الأمن والحماية لتلك المجتمعات تواجه صعوبات وتحديات غير مسبوقة عبر تاريخها الحديث.
وتفصيلاً، قال “القحطاني”: “من الواجب القول إنه لا مجال للدول العربية إجمالاً أن تبقى في مأمن من التهديدات الخطيرة الناشئة من الداخل أو تلك القادمة من الخارج إذا بقيت مخابراتها تعمل بأساليبها وإجراءاتها المعمول بها حالياً، وإذا بقيت كذلك تدار بنفس التفكير والمستوى القيادي لهذه الأجهزة؛ حيث يتم تعيين أكثرهم بالمصادفة أو بتزكية من مستشارين أو قياديين لا يفقهون خطورة عمل المخابرات إذا أشرفت عليها وقادتها شخصيات عادية؛ خاصة في ظل تهديدات غير مسبوقة قائمة ستتضاعف مستقبلاً تجاه هذه الدول”.
وأضاف: “من الضرورة القصوى القول -بصوت مرتفع- إنه بعد اليوم لن تتمكن أي دولة عربية من القيام بكامل مسؤولياتها الوطنية وحماية شعبها وردع أعدائها بنجاح دون إعادة بناء وهيكلة لأجهزة معلوماتها ومخابراتها بشكل كامل وجادّ وحقيقي، والقيام بتنظيم علاقتها ببعضها، ومراجعة أهدافها الاستراتيجية بشكل عام، وتحديث كتابة مهامها وأساليب أعمالها بحسب مسؤوليات وحجم وتأثير كل دولة بمفردها تجاه الشؤون الداخلية والخارجية”.
واستطرد بقوله: “متى ما تمكّنت مخابرات الدولة من بناء القدرات المخابراتية الإدارية والفنية بداخلها، واختيار التدريب النوعي، وتعيين القوى البشرية المتميزة بها بناءً على معايير دقيقة؛ فهذا من أهم أسس قوة الدولة وتفوقها تجاه الشؤون السياسية والدفاعية والتنموية والأمنية والمعنوية”.
وتابع: “بقدر نجاح السياسات الخارجية واستقرار أمن الدولة الداخلي، وثبات تنمية مجتمعها؛ يمكن معرفة مستوى نجاح أجهزة استخباراتها الوطنية المختلفة، ومعرفة درجة تنسيق أعمالها البينية المشتركة، ومدى استيعاب هذه الأجهزة لسياسات واستراتيجيات بلادها، والاستيعاب هنا بمعناه الحرفي هو في غاية الأهمية، وبغيابه تصبح المخابرات نفسها في خطر، وتصبح الدولة في خطر أكبر.
وتأكيداً على أهمية رفع كافة معايير العمل المخابراتي، قال “القحطاني”: “رفع مستوى هذه المعايير انطلاقاً من التخطيط المشترك للعمليات وكافة أعمال المخابرات المتشعبة، وفي مقدمة ذلك التخطيط والتدريب ثم التقييم بعد التنفيذ؛ يعتبر هو المقياس الصادق لمستوى الجودة والنوعية، وليس صحيحاً أن المقياس هو نجاح أي عمل مستقل بحالته وظروفه كإحباط عمل إرهابي وشيك، ربما كان سبب ذلك النجاح هو بلاغ عابر لمواطن شريف في وقت حاسم مهم للغاية”.
وبخصوص عمليات التخطيط، أضاف أنها تعد أصعب مراحل العمل الأمني المخابراتي؛ فالمخططون يُفترض أنهم الأكثر دراية والأعلى تأهيلاً والأكثر احترافاً والأوسع إلماماً بكل المعطيات المحلية والعالمية، ويفترض أن يتوفر لديهم معرفة شاملة بكل تفاصيل قدرات الدولة المختلفة وبطبيعة علاقاتها الخارجية، ويجب أن يكون لديهم كذلك المقدرة على التفكير السليم والتموضع السريع إذا تَطَلّب الأمر تغيير بعض جوانب خططهم في اللحظات الصعبة.
وفيما يتعلق بقادة العمل التنفيذي الميداني الاستخباري في الأقسام والأفرع والألوية والأجنحة؛ استطرد “القحطاني”: “يجب أن تتوفر لديهم المقدرة الكاملة على تقمص شخصية المستشار الأمني والسياسي الأول لقائد الدولة في أحلك الأوقات، والسبب هو لأن ظروف تنفيذ العمليات الاستخبارية المختلفة قد تتغير معطياتها وظروفها بخلاف ما كان متوقعاً خلال عمليات التخطيط؛ مما يتطلب منهم التدخل السريع، وربما دون الرجوع للقيادات المركزية”.
وتابع: “تفتقر الكثير من الدول العربية إلى وجود مراكز متقدمة تُخرج مخططين استراتيجيين لديهم الإلمام الكامل بكل الجزئيات داخل بلدانهم وخارجها؛ بما في ذلك حجم وتأثير الموارد الوطنية المتوفرة، وتقييم جميع نقاط القوة والضعف للدولة داخلياً وخارجياً؛ بل إن بعض مخابرات هذه الدول ليس في حسبانها بأي وقت معرفة تأثير وأهمية موقف الشعب وصموده لمواجهة المخاطر والحالات الطارئة، وما يشكله ذلك من أهمية على اتخاذ القرار الأعلى بالدولة”.
وقال “القحطاني”: “في الدولة يعتبر تفوق الأمن الاستخباري هو ركن السيادة الوطنية داخلياً؛ حيث يسمح بقيام التنمية الشاملة ويحقق لها الرفاه، ويوفر حماية المواطن ومصالحه، وفي الخارج كلما كانت العلاقات الاستخبارية التبادلية والمعرفية والتدريبية مع الدول الأخرى قوية ودائمة وتتناغم مع السياسة العامة للدولة وحماية أمنها الوطني ومصالحها الاستراتيجية وعلى مستوى عالٍ من المصداقية والثقة المتبادلة؛ كلما تحقق استقرار البلاد داخلياً أيضاً، كما أنه مؤشر مهم على متانة وأهمية علاقاتها الخارجية سياسياً، وهنا يبرز تأثير الأجهزة المعلوماتية والاستخبارية على الوضع السياسي مباشرة، كما أنه مؤشر على كفاءة ونجاح تنسيق أعمال تلك الأجهزة الاستخبارية فيما بينها ومدى توحيد جهودها”.
وأضاف: “التنسيق المخابراتي يعتبر تحدياً كبيراً ومعضلة تعاني منها أغلب الدول بشكل عام حتى الولايات المتحدة؛ لكنه الأسوأ في الدول العربية، وأي تخطيط مخابراتي ناقص -ومن ثم القيام بعمليات غير منسقة بين كل الأجهزة الأمنية بالدولة عبر هيئة عمليات مشتركة- سيخلق تضاداً وتنافساً وفساداً إدارياً واضحاً، وسيؤدي في النهاية إلى خسائر وطنية أهمها غياب القرارات المصيرية الحاسمة العليا، أو اتخاذها في التوقيت الخاطئ”.
وتابع: “المقصود بهيئة عمليات مخابراتية مشتركة؛ هو أن تكون هذه الهيئة أو المركز المشترك محطة رئيسية لاستقبال جميع المخرجات المعلوماتية والاستخبارية النهائية المحللة، الناتجة عن العمليات التي قامت بها الوكالات والأقسام المختلفة، مهما كان عددها، ومهما كانت ارتباطاتها الإدارية أو مسمياتها”.
وأردف “القحطاني”: “في هذا المركز المشترك يجب دمج تلك الاستخبارات ومقارنتها ببعضها وتحديد مؤسسات الدولة التي ستستفيد منها مباشرة، ثم تزويدها فوراً بها، والأهم هو حرمان وإحباط العدو من تنفيذ عملياته المعادية بأي طريقة؛ لكن الأخطر هو أن يتمكن العدو من ذلك مستغلاً ضعف بعض هذه الأجهزة غير المتوافقة فيما بينها إذا كان كل منها يعمل بطريقته الخاصة المنفصلة، وهنا يبرز مرة أخرى دور التحدي المخابراتي وأهميته كقوة وطنية فاعلة وخطيرة”.
وأضاف: “في العمل الوطني المخابراتي يوجد أحياناً تنافس غير شريف بين بعض أقسام المخابرات بسبب البحث عن سمعة الجهاز منفرداً؛ مع أنه لا يهم كثيراً مَن الذي جاء بالمعلومة أو مَن الذي أنتجها؛ فذلك معروف وموثق بالضرورة؛ لكن الأهم هو إحباط الأعداء وحماية المعلومات ومنع الأخطاء القاتلة داخل أجهزة الاستخبارات نفسها، وحمايتها من اختراق العدو”.
واستطرد قائلاً: “مركزية الاستخبارات في التخطيط العام ثم في توحيد المصب النهائي للمنتج “المقر المشترك” لغرض المقارنة النهائية والفرز ثم التوزيع؛ من شأنه تقنين استهلاك الموارد الوطنية بشكل عام، وسيخفف الأعباء العملياتية، وسيحد من حجب المعلومات عمداً، وسيمنع تأخيرها في بعض الأفرع التي يرغب بعض قادتها في بقاء تشكيلاتهم منغزلة ومستقلة بعملها، وهذا يعتبر عبثاً وأنانية، ويدل على وجود خلل قيادي مخابراتي في أعلى الهرم وأسفله، كما أن مركزية دمج منتج الاستخبارات النهائي من خلال هيئة عملياتية سيمنع التنازع أو التنافس السلبي بين الفروع المختلفة الذي يهدف غالباً إلى إثبات أحقية مصدر المعلومات وإبراز أهمية تلك الوحدة الفرعية أو حتى الرئيسة أمام القيادات العليا”.
وتابع: “من غير المتوقع أن يعترف المقصرون في الاستخبارات بتقصيرهم أو بضعفهم؛ ولكن الذين ينكرون مثل هذه الحقائق من داخل أجهزة المخابرات هم في الواقع يشكلون الحلقات الضعيفة التي يجب إبعادها من هذه الأعمال فوراً”.
ولفت “القحطاني” إلى أن مصادر أمريكية مختلفة ذكرت بعد أحداث 11 سبتمبر أن المعلومات كانت متوفرة بشكل هائل عن تحركات الإرهابيين، وكان بالإمكان إفشال تلك العمليات الرهيبة؛ لكن المعلومات كانت مبعثرة وغير منسقة وكل جهة تحتفظ بمعلوماتها دون مشاركتها مع الآخرين.
وقال: “مَن يعود للساعات الأولى بعد وقوع تلك الأحداث سيجد حجم الارتباك الشديد والصدمة داخل تلك؛ الأجهزة ابتداءً من الرئيس الأمريكي إلى أصغر موظف بأي قسم معلوماتي استخباري”.
وبيّن: “شهدت المنطقة العربية لأكثر من أربعة عقود -ولا تزال- أحداثاً عظمى، رافق أغلبها إخفاقات استخبارية خطيرة، كانت وراء النكسات والهزائم وصولاً إلى فقدان دول عربية لسيادتها الوطنية ثم انهيارها بالكامل بعد قيام ثورات شعبوية تدميرية وجدت لها كل المبررات بناء على فشل المخابرات؛ فاستغلت ذلك جهات خارجية وداخلية معادية، وقد فشلت بالفعل أجهزة استخبارات عربية في التنبؤ بما حدث في بلدانها؛ وبالتالي فشلت في إحباطها! وربما أن بعضها آثر الصمت على ألا يقول للقيادات العليا حقيقة ما يجري حيال خطورة المواقف، أو أن البعض من القيادات المخابراتية غير الكفؤة تعمّدت السكوت بعدم كشف دلائل ومؤشرات التدهور المتدرج في كل مراحله، ثم إنكار حدوث الانهيار السريع قبل ساعة الانفجار الكبير وسقوط الدولة.. وهناك ما هو أخطر؛ وهو احتمال أن تكون تلك الثورات التدميرية أديرت عبر اختراق بعض أقسام المخابرات نفسها؛ بمعنى أنها كانت مخترقة مسبقاً، وكل الدلائل تشير إلى أنه في أغلب الدول العربية الكثير من قيادات مخابراتها وموظفيها غير مناسبين لطبيعة هذا العمل”.
وأوضح: “يجب على مؤسسات وأفرع المخابرات المختلفة بدول شبه الجزيرة العربية والأردن، إعادة القراءة بشكل سريع وعميق، وأخذ العبرة مما حدث في مصر “قبل أن تتعافى”، وعليها الاتعاظ بما يجري الآن بالدول العربية المنهارة حكوماتها ومؤسساتها، وعليها أن تأخذ العبرة مما يحدث حالياً في إيران من فوضى سياسية واضحة وأمنية صامتة، وكيف تعمل وزارة الاستخبارات الإيرانية وأفرعها وقوات الحرس الثوري واستخباراته، وعليهم متابعة وضع تركيا السياسي المتخبط خارجياً، وتأثير ذلك على الوضع الداخلي الذي يتحرك ببطئ شديد نحو الانفجار المحتمل الذي قد يظهر على السطح فجأة في أي وقت، وحينها ستستغله عدة أطراف داخلية وخارجية وهي بلا شك تراقبه الآن عن كثب.
وشدد “القحطاني” على أنه يجب على مخابرات هذه الدول قراءة الساحة العراقية بدقة شديدة، وكيف غدت مرتعاً لمخابرات أجنبية مختلفة خلقت لها كيانات عميلة محلية وميليشيات مسلحة بقيادات أجنبية جعلت مخابرات الدولة العراقية في مأزق، وقد تكون هي الأضعف في بلادها مقارنة باستخبارات دخيلة تعمل تحت مسميات أخرى غير مخابراتية.
وتابع: “عليهم مقارنة كل ذلك وغيره مع سياسة العمل الاستخباري الإسرائيلي وتنظيمه الهيكلي، وارتباطاته القيادية مباشرة بمواقع صناعة القرار والسياسات العليا التي تعتبر الاستخبارات جزءاً منها؛ بعكس المخابرات العربية المتأرجحة قيادياً بحسب الظروف ونوع القيادات وحالات السلم والحرب وهذا يعتبر تخبطاً”.
وقال “القحطاني”: “مع الأسف المخابرات العربية لا تخضع للتقييم المهني الجاد المستمر بشكل عام؛ وخاصة تجاه قياداتها وموظفيها “فلترة”، ولا تجاه نجاعة تدريبها القائم، ولا تجاه إعادة تقييم سياسات بعض عملياتها التي تتم، والمخابرات العربية في غالبها لا يبدو أن لديها المرونة الكافية للتطوير، وليس بمقدورها السرعة الكافية الاستباقية لمحاصرة أي خلل أو هجوم مُعَادٍ ومعالجته فوراً وإحباطه قبل تفاقمه وتأثيره في كل الاتجاهات”.
وأضاف: الواقع الأمني الخطير بالمنطقة واستمرار انهيارات الأمن الوطني في عدة دول عربية نحو المجهول؛ هو في الحقيقة يشكّل تحدياً قوياً وخطيراً للدول العربية المستقرة، والخطورة هنا تكمن في سرعة التقلبات الشديدة وحجم التحولات وحدوثها المفاجئ إلى درجة أن الوقت المتاح قد لا يسمح بإعطاء الفرصة الزمنية الكافية أو التدرج الطبيعي لقيام عمليات الرصد الطويل والاستنتاج السليم والقراءة والتحليل والمقارنة بحسب قواعد العمل الاستخباري؛ للتأكد من حقيقة ما يجري، وعلى سبيل المثال ما هو المحتمل أو المتوقع أن تقوم به ثورة إيران من عمليات إرهابية كبرى بشكل مفاجئ وبتواطئ أوروبي وإسرائيلي مثلاً في بعض دول مجلس التعاون الخليجي أو في الأردن أو بالعراق.
وأردف: يجب التأكيد على أن أجهزة استخبارات دول المنطقة المشار إليها ستواجه تحدياتٍ عُظمى وفي مقدمتها استمرار ثورة المعلومات اللامحدودة، وتعقيد وخطورة أقنية ووسائل تفاعلها ونقلها، وخطورة توسع تأثيرها جغرافياً في زمن قياسي مذهل، إضافة إلى تطور وسائل الإرهاب وخطورة فكر مَن يقف خلفها؛ لا سيما وأن الإرهابيين ومؤسساتهم مواكبون للتقنيات والتحولات أكثر من حجم وإمكانات دفاع بعض المخابرات الرسمية العربية والغربية.
واستطرد قائلاً: من التحديات الخطيرة أيضاً تزامن الأحداث المدبرة من الخارج والداخل بشكل مخيف، أضحى معها إنسان الاستخبارات نفسه في مواقف صعبة؛ حيث يواجه جملة من التحديات الكبرى التي لم يعهدها من قِبَل ولم يتدرب على مواجهتها، إضافة إلى معاناته اليومية لظروف اجتماعية وميدانية وإدارية ونفسية لم يتم الاهتمام بها، ولم يدرك بعض القادة تأثيرها.
وتابع: “من أكبر التحديات التي يواجهها موظف المخابرات العربية، المتغير التكنولوجي الأمني ومخرجاته المعقدة التي يصعب استيعابها مبكراً دون مواكبة لكل جديد بالتدريب المتقدم والاستباقي على تلك التقنيات، إضافة إلى تحدي ظروف بيئآت العمل المختلفة الآخذة في التوسع التي يواجهها إنسان المخابرات وسيكون التغلب عليها صعباً دون ايجاد استراتيجيات تطوير وتحديث حقيقية تقضي على الضعف البنيوي القائم على المستويات القيادية والإدارية والفنية بتلك الأجهزة، وهذا ما يجب الاعتراف به بدلاً من إنكاره وتغطيته”.
وقال “القحطاني”: “ظروف العمل الأمني في الدول العربية، بعد أعوام قليلة قادمة؛ ستكون مختلفة كلياً؛ حتى وإن عَمّ السلم والأمن بالمنطقة؛ فالتحديات الأمنية ستتضاعف والإرهاب والاختراقات الأمنية في تطور متسارع، وتجنيد العملاء يحتاج لحرب استباقية مخابراتية قوية وذكية ومستمرة وبلا هوادة؛ أما اختراق المخابرات العربية فشواهده تدل على وجوده، وهذا يتطلب جهوداً أخرى مستقلة”.
وأضاف: “الأخطر والأكثر إحباطاً؛ هو أنه يقابل كل هذه التحديات عدم وجود كفاءات قيادية متجددة بشكل عام في تلك الأجهزة العربية، وهناك مشكلة أخرى إذ كيف يتم التصحيح والتقويم إذا ما علمنا أن القيادات غير كفؤة لن يخرج من تحت عباءاتها إلا مَن هو أقل مستوىً منها؛ ولذلك يجب تدخل قيادات الدولة العليا مباشرة وإعادة الهيكلة وتشديد قواعد استقطاب وتوظيف الطاقات البشرية منذ البداية وتشديد الرقابة على التدريب، وإدارة الموارد وتطبيق عقوبات صارمة تجاه أي خطأ؛ وهذا ما تفعله السعودية حالياً ولم يكتمل بعد”.
وأردف: “لقد جاءت الإشارة في هذا التقرير إلى مخابرات أو استخبارات أو ألوية الأمن الوطني الداخلية والخارجية بشتى أنواعها في دول مجلس التعاون الخليجي واليمن والأردن لسببين؛ الأول هو تقارب الصفات المجتمعية وتشابه نمط الإدارة، إضافة إلى عامل الاستقرار السائد في تلك الدول نسبياً؛ عدا اليمن، إضافة إلى تشابه تأثير بيئة العمل على إنسان تلك الأجهزة العامل بها، إضافة إلى التشابه في طريقة الفهم والتفاعل مع الأحداث ومستوى الاستيعاب، والسبب الثاني هو تأثير ما جاء في السبب الأول على كفاءة أجهزة الاستخبارات بتلك الدول؛ أي أنها متقاربة في الأداء وفي مخرجاتها النهائية”.
وقال “القحطاني”: “في كل الأحوال يجب رفع معايير ومستوى الإنسان العامل بالمخابرات، واختيار التدريب المخابراتي الكفؤ؛ بناء على مهددات كل دولة، ثم التأكد من فهم عنصر الاستخبارات لتلك التهديدات وضرورة تفاعله معها تلقائياً ضمن عوامل أساسية أخرى؛ أهمها الكفاءة الإدارية، وتأثير القيم الوطنية والدينية، والولاء على مجمل الأداء”.
وزاد: “أياً كانت النجاحات والإخفاقات؛ فلا بد من توجيه الشكر للأجهزة المخابراتية في هذه الدول؛ فقد نفّذت باقتدار أعمالاً وطنية رائعة وجبارة ومنقذة لحياة الملايين في العالم، ويستحقون عليها الثناء والإشادة؛ مع أن هذا هو المتوقع والطبيعي؛ بل هو الواجب والمأمول”.
وأردف: “توجد لدى المخابرات العربية إجمالاً، صعوبات مختلفة وتحديات قادمة سيكون تأثيرها كارثياً ومفاجئاً -لا سمح الله- إذا لم يتم إعادة الهيكلة في أركان العمل سريعاً، وتغيير القيادات غير المناسبة حالاً، وتغيير نمط التفكير السابق في المستويات القيادية الوسطى وفي أقسام التخطيط، وهذا يتطلب إجراء تقييم شامل من خلال جهات مختصة ومحايدة تضم مفكرين في علوم وفنون المخابرات، وآخرين في الشؤون الإدارية والقيادية، ومن ثم التصحيح وربما التغيير بالشكل الذي يتناسب وكل دولة بناء على ظروفها، مع أن التهديدات متشابهة تجاه الجميع بهذه الدول من حيث المصدر والوسائل والفكر الأيديولوجي والسياسي وطريقة التنفيذ”.
وتناول “القحطاني” قراءة شاملة لا تعني جهة بعينها من الأجهزة المعلوماتية المخابراتية بهذه الدولة أو تلك؛ قائلاً: “الجميع لديهم سمات عمل استخباري متوارث، وما يهمنا حالياً هو أمن هذه البلدان الثمانية المتجاورة والمتشابهة تقريباً في نظمها السياسية والإدارية والمجتمعية، وجميعها مستهدفة وبنفس الأعداء”.
وأضاف: “أغلب هذه الأجهزة بهذه الدول يتوفر بها عناصر بشرية هائلة كثير منها لا تعمل في الواقع “بطالة مقنعة”، أو أنها تعمل خارج مهامها الحقيقية، وهذا استنزاف للجهد والموازنة والزمن، كما أنه تخريب لبرامج التدريب”.
وواصل: “أما التخطيط المشترك فيما بين وكالات وتشكيلات المخابرات بالدولة الواحدة؛ فهو شبه منعدم أو ضعيف أو غير كاف، وكل تشكيل استخباري يعمل بما يحقق رضى قيادته الفرعية؛ ليضمن البقاء ما أمكن زمنياً في سدة المسؤولية”.
وتابع: “بعض هذه الأجهزة المخابراتية يحجب عمداً المعلومات عن أجهزة بلاده الأخرى؛ ليستأثر هو بها ويقدّمها باسمه للجهات العليا بالدولة؛ للحصول على المقابل، وهذا غالباً يعطل التغيير القيادي بتلك الأجهزة، ويحول دون كشف الأخطاء والإخفاقات ويغطي فشل التدريب”.
وقال “القحطاني”: “بعض قيادات هذه الأجهزة الاستخباريه في بعض المستويات، لا يفهمون بشكل تام سياسات بلادهم العليا ولا توجهاتها الثابتة والمتغيرة، ولا يفهمون استراتيجيات قياداتهم السياسية المعلنة وغير المعلنة، ولا يحيطون في حالات السلم بما قد يؤثر على أمن وكيان الدولة وفي الأزمات المحتملة، وليس بإمكانهم تنفيذ العمل المخابراتي بناء على ذلك في حالات السلم وخلال التوترات وفي الحرب، وربما يقف خلف ذلك كله عدم ملاءمة قدراتهم الشخصية القيادية لهذه المهام، وربما لأن بعض موظفي تلك الأجهزة من الأساس غير مناسبين للعمل الاستخباري والأمني بأي حال، وربما جاء تعيينهم لأسباب يشوبها فساد إداري ومحاباة”.
وأضاف: “من التحديات؛ أن بعض مسؤولي هذه الأجهزة تقليديون جداً، وغير مستوعبين لتطور العالم ولا لأعمال وفنون الاستخبارات دولياً، ولا يمكن لبعضهم قراءة أي حدث خطير محتمل، ولا يستطيع حتى قراءة حدث وقع بالفعل وانتهى، وهم عاجزون عن التوقع والقراءة بناءً على معطيات أي تهديد حقيقي، وليس بمقدورهم تطوير العمل المخابراتي والإداري في تشكيلاتهم التي بين أيديهم، وليست لديهم مقدرة في توجيه الإنذارات وطرح الرؤى الحكيمة للجهات العليا بشجاعة؛ وبالتالي لا يمكنهم توجيه الأطقم الميدانية للقيام بأي عمل نوعي وناجح عدا ما يتم تنفيذه كردود أفعال أو كواجبات مبنية على الأنظمة المكتوبة المعمول بها روتينياً”.
وأردف: “من التحديات كذلك أنه لا يتوفر لكثير من هذه الأجهزة مراكز ومعاهد خاصة يُعتد بها وبمخرجاتها لإجراء التمارين ولتوفير البحوث والدراسات وإعداد التقارير وإجراء المسوح والإحصائيات وسَبر ومتابعة المؤشرات ومغزى الحملات الموجهة التي تحمل رسائل وأهدافاً ومواقف معادية، ومع أنه يوجد مراكز بالمنطقة على تواصل بهذه الأجهزة المخابراتية؛ لكنها أقل من عادية وغير موثوقة؛ نظراً لضعفها؛ وبالنتيجة فهي تشكل استنزافاً للمال والجهد والوقت، وليس لها أي تأثير إيجابي حقيقي، ولا تعتبر مرجعاً يُعتد به في جميع الحالات وخاصة في الأزمات”.
وتابع: “هذه التحديات بمجملها تعرّض الدولة العربية لتهديدات مختلفة وصعوبات داخلية وخارجية وإحراجات وخسائر مادية ومعنوية وسياسية رسمية وشعبية لا حدود لها مع الدول الأخرى”.
وخلص “القحطاني” في طرحه إلى أن المطلوب من هذه الدول كل على حدة؛ هو إعداد استراتيجية مخابراتية جديدة ومختلفة تنظيماً وهيكلياً وإدارياً وقيادياً وتأهيلاً ولياقة، وقال: “التهديدات القائمة وتلك القادمة، تتطلب استقطاب موارد بشرية جديدة ومؤهلة تقنياً ووطنياً ومعرفياً، ثم تدريبها كما يجب وبلا توقف، والمطلوب كذلك تغيير سياسات التدريب القديمة والتحول نحو تدريب نوعي مشترك، والمطلوب بالضرورة هو إعداد قيادات استخبارية للمستقبل المنظور، مع الاعتماد على الاستخبارات البشرية المدربة جيداً للعمل الميداني على الأرض داخلياً وخلف الحدود بالتوازي مع التطور التقني للآلة المسيرة والمستشعرات الإلكترونية”.
وأضاف: “عامل الزمن وسرعة الاستجابة في تلك الأجهزة الاستخبارية؛ من أهم ما يميز المخابرات عن غيرها إجمالاً، والدول العربية بحاجة لإعادة تقييم ذلك؛ وإلا فسيتفوق الأعداء الذين يطبّقون عملياً هذه القواعد والاستراتيجيات المخابراتية باحتراف وبتموضع سريع بناء على المتغيرات”.
وأردف: “هناك دلائل ومؤشرات تنذر بأن المخابرات العربية مخترقة بشكل خطير، وبدون تدخل فاعل وتقييم ستبقى تلك الدول مكشوفة للعدو بكل سهولة، ومؤشرات الاختراقات يفهمها مَن يتابع ما يجري سياسياً وأمنياً واقتصادياً وتنموياً بالمنطقة العربية، ومن المفيد معرفة أن إسرائيل تطبق معايير معقدة جداً في اختيار وتدريب الطاقات البشرية للعمل في المخابرات المختلفة وفي سلاح الجو الإسرائيلي، ومع ذلك لديها إخفاقات واضحة في الجانبين؛ فكيف بغيرها في منطقتنا من الدول العربية التي يراد إطاحتها وتمزيق كياناتها؟”.
وتابع: “خلال كتابة هذا التقرير أوردت وكالات الأنباء العالمية، تصريحاً لرئيس المخابرات البريطانية (MI6) أليكس يونغر يقول فيه: “إن بلاده تعتزم الانتقال إلى عصر جديد من العمل الاستخباراتي، أو ما يُعرف بـ”الجيل الرابع”، ودعا “يونغر” إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في الاستخبارات البريطانية”.
واختتم “القحطاني” بالقول: “هذا يعني أنهم في بريطانيا اكتشفوا خللاً لديهم وربما إخفاقات لم يعلن عنها، مع أنهم أكثر مخابرات العالم قوةً ونفوذاً وغموضاً وسرية؛ فكيف بنا نحن العرب الذين نقع ضمن اهتمام وتأثير وربما اختراق من قِبَل MI6البريطانية وغيرها وما عسانا نحتاج؟!”.