عام

خلطة الشهرة وعبقرية التواصل

قبل أن نبدأ هاكم خلطة لتصبح مشهوراً “تواصلياً” فقط خالف المألوف، ومارس “الخبال”، وعاكس النظام، واستخدم لغة الهبل، واكشف خصوصيتك، وابح سرك، وافضح سترك، وابتذل عقلك.. ولتمسي مشهورًا اسقط مبادئك، وارم قيمك، وخلخل عاداتك، وتراجع عن مواقفك..

خلطة غريبة لأبطال الوسائل “التواصلية”.. تجعلك تفكّر كيف تم تجاوز كل الخطوط المنتظمة في السلوك الإعلامي المفترض.. الآن الكثير يصنع شهرته بأدوات التفاهة، ويعيد إنتاج نفسه من خلال الأنا الغارقة في الضوء.. ويجعلنا نفكّر في كنه التواصل أمام الإعلام والاتصال.. فتظهر حقيقة أن مايحدث لا علاقة له بالإعلام.. فالتواصل وإن كان اتصالاً فهو ليس إعلاماً.

اليوم تجاوزنا تشخيص المشكلة إلى تخبيص المنتج بلا حل، ولا تبصر.. اليوم يوجد سيولة تواصلية هائل.. واحتباس عقلي كبير يعزل المنغمسين في ملذات الشهرة التواصلية عن واقعهم، وعن الواقع.. فلم يعد هناك فائدة من النقد، أو الدراسة للحالة الحاصلة..

الشهرة التواصلية اليوم عند الكثير تجاوزت محطات الغاية إلى مواقف الوسيلة والاستنفاع “المنفلت”.. الشهرة في ساحات وسائل التواصل لم تعد هدفاً عن البعض بل صارت مبرراً إلى التمرد النفسي، والاجتماعي، والقيمي.. ومن ثَّمَ اقتناص المكاسب بكل الطرق.

اليوم الشهرة التواصلية هي المحتوى الحقيقي للوسائل التواصلية لأن المحتوى الذي يتعارفه، ويتدارسه الإعلاميون قد قتل على مقصلة العبث التواصلي، واختلال مكونات النموذج الاتصالي بطريقة مزعجة بسبب اعتلال المفاهيم الإعلامية لشرح ما يحدث حقاً بطريقة وفلسفة جديدة من دون إصرار من أهل الاتصال عقدة التنظير الإعلامية.

والشهرة التواصلية اليوم تهزم المتلقي الذي يعده أصحاب الإعلام متلقياً نشطاً بل هو نشط في التفاعلي ضعيف في الوعي، ومتدني الإدراك، مغلوب على أمره فهم يختارون له المحتوى حتى وإن اختار المرسل والوسيلة.

اليوم فلسفة الإعلام والاتصال فقدت قدرتها على التنظير عن سياقات مبللة بالغرابات، ومطحونة بالتداخلات، ومتخمة بالانشطار النظري.. وغداً خبراء ومنسوبو الإعلام والاتصال في حيرة من أمرهم ما بين محاولات تنظيرية لتفسير ظواهر مختلة ومتنامية ومتشكلة، وبين أطروحات تحفظ لهم على الأقل كرامتهم الإعلامية فلا يقال أنهم لم يفهموا مايحدث.

اليوم أجد أن محاولات تفسير الوضع التواصلي الراهن من خلال رؤى إعلامية يشعرنا بالهزيمة الفكرية والإعلامية بسبب محاولة إلصاق ذلك الوضع بمحددات فلسفية إعلامية.. اليوم أجد أن من المهم هدم التنظير في الشأن التواصلي عبر تأطير إعلامي مكابر. والاتجاه إلى فلسفة تشكل مجالاً جديداً أكبر من حالات الإعلام والاتصال.

أدرك تماماً أن كبار وخبراء الإعلام سيكررون تنطعهم التنظيري، ويضعون من يهدم الطرح الإعلامي التقليدي في دائرة الجدل المشحون، والتقليل من جدية أي طرح متجدد حول الوسائل “التواصلية” لأنهم معتقلون بالموروث الإعلامي القديم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى